الجمعة، 26 نوفمبر 2021

مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان: تسريبات تقدم أدلة إضافية على "منهجية" القصف العشوائي للمدنيين في مصر.. الجيش المصري قتل المئات من المدنيين في الصحراء الغربية بمعاونة فرنسية.. تسريبات عسكرية فرنسية تكشف عن ضلوع فرنسا بشكل رسمي في عمليات إعدام خارج القضاء بمصر في عملية سرية

 


مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان: تسريبات تقدم أدلة إضافية على "منهجية" القصف العشوائي للمدنيين في مصر.. الجيش المصري قتل المئات من المدنيين في الصحراء الغربية بمعاونة فرنسية.. تسريبات عسكرية فرنسية تكشف عن ضلوع فرنسا بشكل رسمي في عمليات إعدام خارج القضاء بمصر في عملية سرية



25 نوفمبر 2021 – لندن  

قالت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان اليوم إن المستندات السرية المُسربة المنسوبة لأجهزة الدفاع والاستخبارات الفرنسية، والتي كشفت النقاب عن أن الجيش المصري قام بقتل مئات من المدنيين في الصحراء الغربية منذ 2016 دون اتباع أي قواعد للاشتباك، تحت زعم مكافحة الإرهاب، هي دليل إضافي على تورط قوات الجيش المصري في الانتهاكات الممنهجة وقتل المدنيين عمدا بالمخالفة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. 

وتتطابق الطريقة الممنهجة لعمليات القصف الجوي المميتة في الصحراء الغربية التي كشفتها الوثائق الرسمية العسكرية الفرنسية المسربة مع النهج الذي وثقته مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان في سيناء سابقا، حيث وثقت وقوع 30 قتيل و 22 جريح من السكان المدنيين في خمس غارات جوية لقوات الجيش المصري في شمال سيناء في الفترة بين 2019 و 2020، وذلك باسم مكافحة التنظيمات الإرهابية. لم تقتصر هذه الهجمات على نطاق جغرافي محدد، بل شملت ُمدن الشيخ زويد والعريش وبئر العبد والحسنة، في جميع هذه الوقائع لم يسقط الضحايا المدنيين كخسائر جانبية أثناء قصف أهداف عسكرية معادية، بل إن عملية القصف كانت موجهة على الأرجح بشكل مباشر لأهداف مدنية  في غياب أي تواجد لعناصر مسلحة في الجوار، بشكل منهجي.  وتلك الحوادث الخمس لم تكن سوى بعض مما وثقته المؤسسة، وكذلك مؤسسات حقوقية أخرى، من تدمير منازل ومبان وقتل عائلات بالكامل في الكثير من تلك العمليات غير القانونية منذ تصاعد الحرب في شمال سيناء في أواخر عام 2013.

قال أحمد سالم، مدير مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان:

"تسريبات ’ديسكلوز’ الفرنسية تقدم دليلا دامغا على التورط الفرنسي في الانتهاكات بمصر، فلم يعد الأمر مجرد دعم سياسي أو بيع للسلاح. كما تقدم تلك التسريبات دليلا إضافيا صادما، وإن كان متوقعا، على اعتيادية القتل بالمجان بواسطة قوات الجيش المصرية للمدنيين دون حساب،  والذي يحدث في سيناء منذ 2013.

ونشرت منظمة  ديسكلوز Disclose الفرنسية منذ 21 نوفمبر، وعلى مدار عدة أيام، أجزاء من تحقيق مطول، استندت فيه المنظمة إلى ما قالت إنه عشرات من الوثائق السرية الصادرة عن الاستخبارات الفرنسية ووزارة الدفاع وكذلك مكتب الرئاسة في قصر الإليزيه، سربها للمنظمة مصدر فرنسي رفضت الإفصاح عنه لضمان حمايته.

وبناء على الوثائق، والتي نشرت ديسكلوز نسخا من بعضها بينما اكتفت بنقل مضمون وثائق أخرى دون نشر النسخ، فإن وزير الخارجية الفرنسية الحالي جان إيف لودريان – ووزير الدفاع آنذاك في 2016 – أشرف على بدء تلك العملية السرية، المسمّاه سيرلي SIRLI، بين الأجهزة العسكرية المصرية والفرنسية. بدأت العملية في فبراير 2016 حين حط عشر رجال ينتمون للاستخبارات والجيش الفرنسيين ومتعاقدين مع شركة CAE للملاحة، في قاعدة جوية مصرية بالقرب من مرسى مطروح في شمال غرب البلاد. كان الهدف الأساسي بحسب ديسكلوز أن يتم تدريب القوات المصرية ومعاونتها على عمليات الاستطلاع الجوي والرصد والتجسس على الاتصالات على طول الحدود بين مصر وليبيا، حيث تزعم الحكومة المصرية إنها مناطق نشاط للإرهابيين. 

وبحسب وثائق ديسكلوز فإن الضباط الفرنسيين العاملين في المهمة سرعان ما أبدوا شكوكهم حول أهداف المصريين، بعد شهرين فقط من بدأ العملية. وفي سبتمبر 2016، تظهر وثيقة أخرى، إن الضباط على الأرض كانوا قد وصلوا لقناعة تامة إن المصريين لا يستهدفون أي جماعات إرهابية هناك وإنما كان أغلب الضحايا من المدنيين المحليين العاملين في مجال تهريب البضائع وأحيانا السلاح. أعرب الضباط الفرنسيون في مراسلاتهم مع الاستخبارات الفرنسية بشكل واضح عن اعتقادهم الراسخ في استخدام المصريين للتكنولوجيا التي حصلوا عليها خلال العملية في تنفيذ ضربات جوية مباشرة ومميتة تشمل تقريبا كل العربات التي تتحرك في نطاق الحدود الغربية، دون الاستناد إلى أدلة تؤكد ضلوع الهدف في أي عمليات إرهابية، وكذلك دون استخدام أي إشارات تحذيرية أو محاولة اعتقال المهربين أحياء. 

ولم يُشر تقرير ديسكلوز إلى موعد محدد لنهاية العملية سيرلي، ويُرجح إنها لازالت قائمة حتى الآن. وأنها تسببت في مقتل مئات المدنيين.

وقد رصدت وسائل إعلام محلية ودولية على الأقل حادثتين من حوادث قتل المدنيين تلك. كانت الحادثة الأولى في سبتمبر 2015، أثناء مناقشة تلك العملية السرية بين القيادات العسكرية العليا في البلدين، وقبل الشروع فيها بأسابيع، حيث قتل الجيش المصري في قصف جوي عنيف استمر لعدة ساعات 12 مدنيا كان بينهم 8 سياح مكسيكيين وأصيبت سائحة أمريكية إصابات بالغة، وذلك رغم حصول مرشدي الرحلة على التصاريح اللازمة مسبقا. ووقعت حادثة أخرى حين قتل الطيران الحربي المصري مهندسا مصري، أحمد الفقي، واثنين من مرافقيه، في يوليو 2017، حيث كانوا في مهمة عمل في المنطقة، بالتصاريح اللازمة. ووثق التحقيق كيف أن مقتل المهندس أحمد الفقي تم تصنيفه في الوثائق الرسمية كوفاة "غير معلومة السبب" وهو شبيه بما يحدث في شمال سيناء حيث تقوم السلطات المحلية بتسجيل كل الوفيات في حالات القصف بواسطة الجيش على أنه "قصف مجهول المصدر"، حيث حصلت مؤسسة سيناء على وثائق طبية رسمية لضحايا مدنيين سقطوا نتيجة قصف جوي للجيش المصري في منطقة الميدان غرب مدينة العريش بتاريخ 26 يونيو 2019، توضح هذه الوثائق أن السلطات قيدت سبب الوفاة ضد مجهول.

وفي أكتوبر 2021 نشرت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان للمرة الأولى فيديو يُظهر زيارة قام بها محافظ شمال سيناء اللواء محمد عبد الفضيل شوشة لضحايا مدنيين سقطوا في 27 مايو 2019 بقصف جوي لطائرة تابعة للجيش المصري، واجه فيها المصابون المحافظ بقيام الطيران الحربي المصري بقصف منزلهم في قرية الجورة بصاروخين متتاليين، وعلى الرغم من إقرار المحافظ واعتذاره عن القصف الخاطئ، إلا أن التقارير الطبية الرسمية الحادثة التي صدرت من مستشفى العريش العام تفيد بأن مصدر القصف مجهول، وهو ما يعفي المسؤولين من أية مساءلة أو محاسبة قضائية، كما يهدر حقوق الضحايا وذويهم.

ولم تعترف السلطات المصرية  في أي مرة بوقوع أي ضحايا مدنيين نتيجة للعمليات العسكرية في شمال سيناء أو الصحراء الغربية، سوى في المرة الوحيدة التي سقط فيها سياح أجانب في سبتمبر 2015 وذلك نظرا للطبيعة الخاصة للحادث. وفي يوليو 2020 ادعى بيان رئاسي مصري، صدر من بسام راضي المتحدث باسم الرئاسة، إنه نتيجة لتلك العمليات الجوية على الحدود الغربية فقد قام الجيش بتدمير 10 آلاف سيارة دفع رباعي على الحدود الليبية المصرية "محملة بالإرهابيين والمقاتلين الأجانب" خلال ست سنوات، قتل فيها المئات وربما الآلاف.

 وقالت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان إن الوضع في المناطق الحدودية المصرية لا يرقى للنزاع المسلح غير الدولي، حيث لا تتواجد هناك تنظيمات قوية راسخة ذات تأثير واضح، ضمن شروط أخرى ينبغي توفرها لاعتبار تحقق حالة النزاع المسلح. وبالتالي ينطبق على العمليات الأمنية هناك القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي لا يسمح باستخدام القوة العسكرية المميتة والأسلحة الثقيلة التي توقع العديد من الضحايا بالتعريف. وبالتالي يمكن اعتبار كل أو أغلب عمليات القتل بواسطة القصف الجوي في الصحراء الغربية هي عمليات إعدام خارج إطار القضاء بالتعريف، إذ تخالف أبسط القواعد المتضمنة في مبادئ الأمم المتحدة الأساسية لاستخدام القوة والأسلحة النارية.

لكن حتى في حالة انطباق حالة الحرب جدلا، يحتم القانون الدولي الإنساني المنظم لها، وبالتحديد الملحق الأول لاتفاقيات جينيف، على الحكومات والقوات المتحاربة التمييز الدائم بين الأهداف المدنية والعسكرية، ويحظر استهداف المدنيين، أفرادا أو جماعات، في كل الأوقات. ، طالما أنهم لم يساهموا في الأعمال العدائية بشكل مباشر. وتعرف المادة 51 من البروتوكول الأول الهجمات اللاتمييزية (وبالتالي الخارجة عن القانون) بأنها الهجمات التي لا تستهدف هدفا عسكريا معينا، أو تلك التي تستخدم وسائل للهجوم لا يمكنها التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، كما لا يقبل وقوع ضحايا مدنيين كضحايا عرضيين في هجوم مشروع إلا في استثناءات نادرة وفق مبدأ التناسبية لا يبدو أنها تنطبق بأي شكل على عمليات قصف عربات الدفع الرباعي المستخدمة في التهريب على الحدود مع ليبيا. كما ينص القانون على أنه في حالة الشك إن كان الهدف عسكريا أم مدنيا، فينبغي التعامل معه باعتباره مدنيا حتى يثبت العكس. وتنص المادة 57 من ذات البروتوكول على اتخاذ إجراءات احتياطية قبل أي هجوم من بينها التأكد من طبيعة الهدف بكافة الطرق المتاحة، واختيار الطرق التي من شأنها أن تقلل أي خسائر محتملة بين المدنيين أو ممتلكاتهم.

ولا يبدو وفقا للوثائق المسربة المنشورة إن القوات الجوية المصرية قد سعت لاتباع أي من تلك القواعد القانونية. بل على العكس، يتم تدمير عربات الدفع الرباعي في المنطقة وقتل كل من فيها بمجرد رصد وجودها في الصحراء دون سعي للتأكد من طبيعتها وطبيعة راكبي السيارة أو محاولة استيقافهم عن طريق ضربات تحذيرية أو قوات أرضية. وبحسب الوثائق، فإن أغلب تلك الهجمات استهدفت مهربين مدنيين يعملون في تهريب البضائع بكافة أنواعها وليس بالضرورة السلاح. كما أنه لا يمكن اعتبار المنخرطين في الجريمة المنظمة مثل عمليات تهريب السلاح كمقاتلين combatants وفقا للقانون الإنساني الدولي إلا في حالة وجودهم كجزء من مليشيا أو مجموعة مسلحة منظمة ذات هيراركية تنظيمية تقوم بعمليات قتالية، وهو الأمر الذي لا يبدو منطبقا حيث لا توجد مجموعات مسلحة حقيقية تتخذ من الصحراء الغربية منطقة نفوذ أو عمليات لها.

وتتطابق الأوضاع في شمال سيناء مع الكثير من المناطق الحدودية الصحراوية في غرب مصر من حيث ارتفاع البطالة والتهميش المزمن من قبل السلطات المركزية في القاهرة، ما دفع العديد من الشباب في تلك المناطق الحدودية للعمل في تهريب البضائع بدءً من السجائر والأغذية والأدوية وصولا للمخدرات والسلاح. 

وزعمت دراسة مدعومة حكوميا قدمتها الهيئة العامة للاستعلامات - وهي هيئة حكومية تابعة للرئاسة المصرية - في يوليو 2018 أن: "الطبيعة القانونية لرد سلطات الدولة (في شمال سيناء)... هي أمور تنظمها عادة – على المستوى الدولي – القواعد المنظمة للصراعات المسلحة، وعلى المستوى الوطني القوانين العسكرية." وبالرغم من ذلك زعمت الدراسة بشكل أو بآخر إن أي شخص يعارض نهج الدولة أو يحمل السلاح هو عضو في "تنظيمات إرهابية مسلحة" لا يتمتع بالحماية والضمانات الواجبة وفق القانون الدولي الإنساني لأنهم "مقاتلين غير شرعيين" وهو الأمر الذي يخالف قواعد الحرب ويرقى لمرتبة تبرير القتل اللا قانوني ولا يتفق مع مبادئ اتفاقيات جنيف التي أصبحت مصر طرفا فيها منذ عقود.

قال أحمد سالم:

"تتشابه بيانات الجيش المصري فيما يتعلق بعمليات شمال سيناء والصحراء الغربية، فهي دائما بيانات شديدة العمومية لا تعطي أي تفاصيل ولا يمكن تمحيصها عن قرب، إلا أن الحوادث التي وثقتها المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام في المرات القليلة التي أتيحت فيها الفرصة تثبت نمطا لا شك فيه من التدليس لإخفاء الحقيقة الواضحة،?

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.