بعد انتحار نائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام شنقا داخل مكتبة بمؤسسة الاهرام..
تقرير يكشف معاناة الصحفيين في مصر.. "اعتقال وانتحار"
يعيش الصحفيون والعاملون في مجال الإعلام في مصر، وضعا اقتصاديا ومهنيا وأمنيا بائسا، في ظل سيطرة تامة على القطاع من شركة "المتحدة للخدمات الإعلامية" التابعة لجهات سيادية.
وفي الأيام القليلة الماضية، شهد الشارع الصحفي والإعلامي وقائع صادمة، تباينت بين انتحار صحفي مرموق داخل جدران مؤسسته الصحفية الأكبر في البلاد، وبين التوقيف والإخفاء القسري لإعلاميتين شهيرتين إثر انتقادهما النظام، وتهديد البعض بالاعتقال، وحتى تحول صحفيين لمهن أخرى هربا من التضييق الأمني.
والخميس، أُعلن عن انتحار نائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام الصحفي عماد الفقي، فجرا من داخل مكتبه، في واقعة أثارت الجدل حول ملابساتها وأسبابها.
والأسبوع الماضي، أوقف الأمن المصري الإعلاميتين في التلفزيون المصري (حكومي) صفاء الكوربيجي وهالة فهمي، بسبب انتقاداتهما لرأس النظام عبد الفتاح السيسي عبر مقاطع مصورة كشفتا فيها عن وقائع فساد بالهيئة الوطنية للإعلام، التي تدير مبنى "ماسبيرو".
وفي السياق، كشفت الصحفية مي عزام يوم 21 نيسان/ أبريل الجاري، عن تهديد مما أسمته بالذباب الإلكتروني لها، إثر انتقادها سماح النظام للسائحين الإسرائيليين بإقامة حفلات بجنوب سيناء.
وهربا من ضيق الأحوال وتعنت الإدارات الصحفية وتجنبا للملاحقات الأمنية؛ أكد عدد من الصحفيين رغبتهم بالسفر للخارج، أو تغيير مهنتهم والعمل بالتجارة، والمشاركة بمشروعات مع آخرين، كالسمسرة بمجال العقارات، والترويج للبضائع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
"صورة قاتمة"
ويشكو أغلب الصحفيين من ضعف الرواتب والتضييق على الكثير منهم في الحوافز والمكافآت، ويعتمد نسبة كبيرة منهم بعد فصلهم من مواقعهم في الصحف التي اشترتها الشركة "المتحدة" على "بدل التدريب" التي تمنحها لهم نقابة الصحفيين، والبالغة 2400 جنيه (130 دولارا تقريبا).
وعبر المجموعات الخاصة بالصحفيين على مواقع التواصل يتساءل الكثير حول موعد صرف بدل التدريب، خاصة مع ضعف فرص الكثير منهم في العمل بالمواقع والصحف العربية والخليجية، وحجب النظام لأكثر من 600 موقع يبث من خارج مصر.
ومنذ مطلع 2022، يشهد "ماسبيرو"، الذي يضم قنوات التلفزيون ومحطات الإذاعة الحكومية، احتجاجات متكررة على ظروف العمل، وتدني مستويات الأجور، والمستحقات المالية المتأخرة التي لم يحصل عليها العاملون منذ عدة سنوات.
وفي المقابل ينعم عدد قليل من الصحفيين برعاية الشركة "المتحدة"، ويحصلون على مناصب ورواتب كبيرة ويقومون بالعمل في أكثر من جهة تابعة للشركة بين المواقع الصحفية وبرامج الفضائيات، ويعتبرهم النظام أذرعه الحقيقية ومنفذي سياساته.
وعلى مدار 9 سنوات، اهتم النظام العسكري الحاكم بشراء وتملك الفضائيات والصحف والمواقع الخاصة، واستحوذ على الكثير من الإصدارات الخاصة التي تديرها الآن الأجهزة السيادية المصرية، فتحولت من دورها كصحف حملت بعض أصوات المعارضة إلى صحف تدافع عن النظام وتتبنى وجهة نظره.
كما تعاني جميع الصحف من رقابة أمنية شديدة على عمل الصحفيين وتوجهاتهم السياسية والفكرية، ما جعلها صورة ممسوخة من الصحافة ما دفع القارئ لمغادرتها، واضطر الكثير من الصحفيين لتركها خوفا من البطش الأمني بهم أو تصنيفهم ضمن جماعة الإخوان المسلمين.
والآن تتزايد المخاوف على مستقبل المؤسسات الصحفية الكبرى والتاريخية في مصر، وعلى مصير آلاف الصحفيين وعشرات الآلاف من العاملين الفنيين في المطابع وقطاع التوزيع، خاصة مع ما يثار عن توجه النظام لبيع بعض تلك المقار بالقاهرة ودمج الصحف الحكومية ونقلها لمدينة السادس من أكتوبر.
واحتلت مصر في عهد السيسي المنطقة السوداء بمؤشر حرية الصحافة العالمي.
ووفق منظمة "مراسلون بلا حدود" تقبع مصر بالمركز 166 من 180 دولة لعام 2021، فيما تحتل المرتبة الثالثة عالميا بقائمة أكثر الدول احتجازا للصحفيين، بحسب لجنة "حماية الصحفيين الدولية" 2020.
ويقبع نحو 25 صحفيا مقيدا في نقابة الصحفيين في المعتقل منذ سنوات، وهو العدد الذي يصل لأكثر من 66 صحفيا أغلبهم غير مسجل بالنقابة، وفق تأكيد الصحفي قطب العربي رئيس "المرصد العربي لحرية الإعلام" لـ"عربي21".
وشهد الربع الأول من 2022، استمرار الأنماط الاعتيادية والمتكررة للانتهاكات على الصحفيين حيث رصدت أحدث تقارير "مؤسسة حرية الفكر والتعبير" أمس الخميس، 7 وقائع انتهاكات بحق صحفيين، ما بين منعهم من القيام بعملهم، ووقف إعلاميين بشكل مؤقت.
وقال التقرير الذي اطلعت عليه "عربي21": "تستمر المجالس الإعلامية في فرض مزيد من القيود على حرية الصحافة والإعلام تحت دعاوى فضفاضة واتهامات تندرج تحت حرية التعبير".
وأشار التقرير إلى أن "المنع من التغطية أكثر الانتهاكات اعتيادية ضد حرية الصحافة بالسنوات السبع السابقة".
ورصدت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، في تقريرها عن شهر كانون الثاني/ يناير الماضي أبرز الانتهاكات التي شهدها الوسط الصحفي والإعلامي والتضييق الذي واجهه العاملون بالمجال.
وأشارت إلى وجود أزمات عديدة بينها تأخير العلاوات للعاملين في الهيئة الوطنية للإعلام وتنظيم مئات العاملين وأصحاب المعاشات تظاهرة حاشدة بـ"ماسبيرو" كانون الثاني/ يناير الماضي.
"حصاد ما زرعت"
وفي تعليقه حول معاناة الفئة الأغلب من الصحفيين المصريين، قال مساعد رئيس التحرير بدار الجمهورية الصحفي محمد فخري: "يجب الاعتراف بأن الصحافة تحصد الآن الشوك الذي زرعته في خدمة السلطة منذ عام ٢٠١٣".
وأضاف خلال حديثه لـ"عربي21": "على الرغم من استخدامها كسلاح فعال بحرب غير شريفة لإزاحة أول رئيس مدني منتخب (محمد مرسي) جاء كثمرة لثورة يناير 2011؛ نالت (جزاء سنمار) وفقا للمثل العربي، وتنكرت لها السلطة التي صعدت على أكتافها".
وأكد أن "الصحافة الآن تعيش أوضاعا بالغة التردي والتدهور على مستوى الحريات والأجور والأوضاع المعيشية والاجتماعية، وهو وضع غير مسبوق منذ مائة عام".
وتابع: "نحن أمام نوع جديد من الصحافة والإعلام؛ هجين نتج عن تزاوج صحافة المال السياسي والصحافة التابعة للأجهزة الأمنية أفرز جهازا دعائيا غير فعال متعدد النوافذ لنظام شمولي باهت".
وأردف: "ترتب على ذلك انضمام مئات من حاملي كارنيه نقابة الصحفيين وهم لا يعرفون من الصحافة سوى ما ترسله لهم المراكز الإعلامية للوزارات والأجهزة الأمنية، إضافة لفيديوهات سخيفة عن رجل يأكل الزجاج، وسيدة تربي القطط".
ويرى أن "المعول الأكبر في بلاط صاحبة الجلالة الآن هو تصدر عديمي الموهبة واختيارهم طبقا لمدى تبعيتهم للأجهزة الأمنية وولائهم المطلق للنظام، ما ضيع الحد الأدنى من المهارة والمهنية والأعراف، وضيع على النظام نفسه فرصة الاستعانة بأكفاء لخدمة أهدافه".
وأشار إلى أنه "لا يمكن تجاوز تلك الأزمة إلا إذا استشعر النظام الخطر من الصحافة، وهو أمر غير متاح في ظل حالة السيطرة التامة والقبضة الحديدية على الصحافة والإعلام بالداخل وحظر المواقع الخبرية في الخارج".
وختم قائلا: "ربما يأتي الأمل إذا حدثت وقفة جادة وأتبعها استخدام الصحفيين وسائل التواصل الاجتماعي كأداة للنشر والتعبير والعمل الصحفي بعيدا عن سيطرة الدولة على كل المواقع والقنوات".
"الأزمة سياسية"
من جانبه، يرى الكاتب الصحفي قطب العربي، أن "معاناة الفئة الأغلب من الصحفيين هي نتيجة تردي وضع المهنة بشكل عام"، مؤكدا أن "هذا التردي سببه الرئيسي افتقاد المنافسة وغياب الحرية التي تمنح الإكسير للصحف ووسائل الإعلام للمنافسة والوصول للقارئ والمشاهد".
وأضاف خلال حديثه لـ"عربي21": "كل الصحف والقنوات نسخة واحدة ضمن إعلام الصوت الواحد، وهذا لا يشجع قراء ولا مشاهدين لمتابعتها؛ فتفقد موارد من الإعلانات والرعاية ومن ثم تضطر إلى تخفيض العمالة ثم تخفيض الرواتب لمن بقي بها".
ويعتقد العربي أن "المشكلة في الأساس سياسية تتعلق بغياب أجواء الحرية التي لا تستطيع الصحافة العيش بدونها ولا تتنافس إلا عبرها ما يؤدي لخسارة هذه المنابر الصحفية والإعلامية مواردها والنتيجة إغلاق بعضها نتيجة تعثرها المالي أو إغلاق أقسام وتخفيض الأعداد والرواتب والمكافآت".
ولفت إلى "سبب آخر قريب وهو التضييق الأمني على الصحفيين والاعتقالات وقمع حرية الرأي والتعبير"، مشيرا إلى "أزمة اعتقال صفاء الكوربجي وهالة فهمي الإعلاميتين في ماسبيرو مؤخرا، بجانب 66 صحفيا وإعلاميا".
وأفاد بأن "الشركة المتحدة تهيمن على وسائل الإعلام مسموعة ومقروءة ومرئية، واحتكرت السوق الإعلامي والإعلاني والدرامي، وأصبحت سفينة نجاة بعض من يركبون فيها، ولكنها لا تحتمل باقي الصحفيين والإعلاميين الموجودين بصحف ومواقع ضعيفة لا تكفي رواتبهم، ولم يعد لهم مصدر دخل آخر كما كان في ظل ازدهار الصحافة".
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، تحدث مراقبون عن أزمة مهنة الصحافة والإعلام في ظل حكم السيسي، مشيرين إلى أن الصحفيين وصلوا لمرحلة اليأس.
الكاتب الصحفي محمد سعيد محفوظ، خاطب زميله عماد الفقي إثر خبر انتحاره، متسائلا: "كيف ثقل عليك الحمل؟ من فعل بك هذا؟ من اجترأ على قلبك الأبيض؟ من طعنك بغدر أو حرمك حقا أو ذبح كبرياءك؟ لماذا اخترت الأهرام لتغادرها منتحرا وأنت تعلم أن هذه رسالة؟".
وكتب الصحفي عبد الرحمن بدوي، استغاثة مخاطبا بها مجلس نقابة الصحفيين، ومحذرا مما قد يلحقه من مصير مشابه للصحفي عماد الفقي، خاصة مع تجاهل النقابة لمطالبه.
وقال: "إلحقونا قبل ما يحصل لنا مثلما حصل للزميل عماد الفقي"، منوها إلى أنه أرسل رسالة قبل عام لنقيب الصحفيين وتجاهلها الجميع.
وأضاف: "الصحفيون في مصر يحتضرون، وأحذر مما قد يحدث لي غدا".
عربى 21
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.