نص بيان “منصة اللاجئين في مصر” الصادر اليوم الاربعاء 3 يوليو 2024
مصر ليست بلد منشأ أو عبور آمن لإعادة المصريين/ات والمهاجرين/ات إليها لماذا نرفض قرار الحكومة الإيطالية اعتبار مصر بلدًا آمنًا؟
في 5 يونيو/ حزيران الماضي، أعربت “منصة اللاجئين في مصر” مع 40 منظمة من منظمات المجتمع المدني في بيان مشترك عن قلقها البالغ من قرار إيطاليا بتصنيف جمهورية مصر العربية كـ”بلد منشأ آمن” بموجب المرسوم التشريعي رقم 25/2008، الفقرة 2-bis. وحثت المنظماتُ الحكومةَ الإيطالية على الكشف العلني عن المعايير التي اتبعتها في مراجعة وضع مصر، وإعادة النظر في القرار، يأتي ذلك في إطار نشاط موسع للحكومة الإيطالية في تعزيز العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي من خلال العديد من الاتفاقيات، من بينها: (اتفاق ماتي، تدريب اتيبا، وغيرها من الاتفاقيات المرتبط مباشرة بمسألة الهجرة أو التنمية)
وكانت وزارات الخارجية والداخلية والعدل في إيطاليا قد أصدرت مرسومًا في 7 مايو/ أيار 2024 يقضي بتحديث وتوسيع قائمة البلدان الآمنة للمتقدمين للحصول على الحماية الدولية، فزادت القائمة من 16 دولة إلى 22 لتشمل بنجلاديش، والكاميرون، وكولومبيا، ومصر، وبيرو، وسريلانكا، مع وضع عدد من العوائق الإشكالية لطالبي اللجوء من الدول المدرجة، كأداة للحد من الضمانات القانونية والوصول إلى حق الحماية الدولية واللجوء.
بموجب المرسوم التشريعي رقم 25/2008 (D.Lgsl. 25/2008)، “يمكن اعتبار دولة غير تابعة للاتحاد الأوروبي بلد منشأ آمن على أساس أدلة مثبتة تتعلق بنظامها القانوني، وتطبيق القانون في ظل نظام ديمقراطي، والوضع السياسي العام، وبأنه لا توجد أعمال اضطهاد، وذلك وفقًا للمادة 7 من المرسوم التشريعي 251/2007، فضلًا عن عدم ارتكاب التعذيب أو أشكال أخرى من المعاملة اللاإنسانية أو المهينة، أو وجود أخطار بسبب العنف العشوائي في حالات النزاع المسلح الداخلي أو الدولي”.
بالنظر إلى مصر فإن نظامها القانوني والتشريعي تعرض إلى اختلالات كبيرة منذ سيطرة الرئيس الحالي على مقاليد البلاد، ولا أدلَّ على هذا من إقرار البرلمان المصري مئات القوانين في أسبوعين فقط مطلع عام 2016، وكانت قد صدرت بقرارات رئاسية عقب يوليو/ تموز 2013 في غياب البرلمان، ومن بينها قانون الإرهاب وقانون التظاهر اللذين كانا أداتين لقمع واسع لأي معارضة سياسية في مصر، وكان هذا الإجراء الأول للبرلمان بعد حل سلفه، ما يشير إلى عمق أزمة النظام التشريعي المصري، وتبعيته للسلطة السياسية.
من جهة أخرى فإن الوضع المصري العام لا يمكن وصفه بالديمقراطي أو حتى شبه ديمقراطي، فالصحافة داخل مصر -سواء كانت مرئية أو مقروءة أو مسموعة أو إلكترونية- تخضع لمؤسسات أمنية أو عسكرية، وفي حالات نادرة، تخضع لرجال أعمال مؤيدين للنظام السياسي، وتقع منظمات حقوق الإنسان المصرية تحت طائلة القمع، كما في قضية التنسيقية المصرية للحقوق والحريات التي حُكم أفراد منها بالسجن المشدد لعشر سنوات، فضلا عن إعادة محاكمة المحامية هدى عبد المنعم في قضية جديدة بعد انتهاء مدة حبسها في قضية التنسيقية.
كما يعتقل قادة الأحزاب المعارضة مثل عبد المنعم أبو الفتوح، أو منافسيه في الانتخابات الرئاسية مثل أحمد الطنطاوي، فضلا عن وفاة قرابة 1200 معتقل داخل السجون المصرية منذ عام 2013 إما بسبب التعذيب أو الإهمال الطبي المتعمد، بحسب المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا.
اللافت للنظر أكثر، أن إيطاليا قد شهدت واقعة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية بحق الشاب الإيطالي”جوليو ريجيني” في يناير/ كانون الثاني 2016، وقد قامت السلطات المصرية في مارس/ آذار من نفس العام بالإعلان عن مقتل خمسة مصريين بتهمة قتل ريجيني، ليتضح فيما بعد أن المتهمين كلهم ضباط من الشرطة المصرية، وقد أعلن النائب العام الإيطالي المساعد سيرجو كولايوكو عن تسجيل صوتي نهاية مايو/ أيار الماضي يكشف كذب الرواية المصرية الرسمية ويؤكد تورط الضباط المصريين الأربعة المتهمين في القضية، فإيطاليا لها تجربة مريرة وواضحة مع كذب وتزييف السلطات المصرية للحقائق، والتورط في تعذيب وحشي إلى حد الموت بحق أحد مواطنيها، دون إجراءات مساءلة ومحاسبة، فقد أعلنت السلطات المصرية إغلاق التحقيقات من جانبها ورفضت منح السلطات الإيطالية أي معلومات عن المتهمين، وبالضرورة ستكون المعاملة مع المصريين أقسى وأكثر وحشية.
أما على مستوى اللاجئين المقيمين/ات أو العابرين/ات من مصر، فإن “منصة اللاجئين في مصر” قدمت العديد من التقارير والتوثيقات التي تثبت أن مصر ليست بلد عبور آمن، فضلا عن كونها بلد منشأ آمن، ففي تحقيق مشترك للمنصة مع “ذا نيوهيومنيتاريان”، كشف النقاب عن مقارِّ احتجاز سرية، وظروف احتجاز سيئة، ومطاردات مصحوبة بإطلاق نار، واعتقالات لأعداد هائلة لا تفصح السلطات المصرية عنها، مستفيدة من سرِّية مقار الاحتجاز، وتبعية أغلبها لقوات الجيش المصري.
كما تلقت المنصة، ومنظمات حقوقية أخرى، منذ نهاية أغسطس/ آب 2023 مئات البلاغات عن الاعتقالات الممنهجة للاجئين/ات والمهاجرين/ات والاحتجاز التعسفي وحملات الإعادة القسرية التي تقوم بها السلطات المصرية ضد السودانيين/ات، وتنفذ السلطات المصرية هذه الاعتقالات في جميع أنحاء البلاد، داخل مدن مثل القاهرة والجيزة وأسوان والبحر الأحمر ومطروح والإسكندرية، وعلى طول الحدود الجنوبية لمصر.
بالإضافة إلى ذلك يعاني اللاجئون من حملات كراهية متزايدة، دفعت إعلاميا مصريا (غير معارض) إلى التحذير من تصاعد هذه الحملات ضد اللاجئين ما قد يؤدي إلى انعدام السلام، وهي حملات قد تصاحبها تصرفات معادية للاجئين من قبل قوات الأمن.
تشير العديد من القضايا، إلى مسألة خطورة الإعادة (القسرية أو الطوعية) أو عمليات الدفع عبر الحدود إلى مصر، إذ يتعرض الأشخاص المعادين -عادة- لجرائم مثل التعذيب والاختفاء القسري، والمحاكمة غير العادلة، حتى ولو لم يكن للأشخاص نشاط سياسي. تشير قضية الشاب المصري محمد شعلان إلى هذه الخطورة -بحسب توثيق المبادرة المصرية للحقوق الشخصية- فقد سافر إلى إيطاليا وهو طفل عام 2014، وعندما تمكن من الحصول على الأوراق الثبوتية واستقر وضعه قرر العودة إلى مصر لزيارة عائلته، حيث ألقت السلطات المصرية القبض عليه فور وصوله إلى مطار القاهرة في 20 يناير/ كانون الثاني 2021، واحتجزته في المطار لمدة 11 يومًا بشكل غير قانوني، قبل أن يختفي قسرا في إحدى مقار جهاز الأمن الوطني المصري، ثم ظهر أمام النيابة متهما في قضية باتهامات تتعلق بالإرهاب في أحداث وقعت في أثناء تواجده في إيطاليا.
قضية الشاب محمد شعلان لا تختلف عن قضايا الصيادين المصريين العائدين من العمل في الخارج، إذ وثقت منصة اللاجئين في مصر أن السلطات المصرية، ومنذ أكثر من عامين، تشن حملات اعتقال دون سند قانوني أو أدلة ضد الصيادين المصريين العائدين من عملهم في ليبيا، وتوجه لهم اتهامات بدون أدلة، ورغم تجاوزهم مدد الحبس الاحتياطي التي فرضها القانون فلا يزال العديد منهم محتجزون بتهم تتعلق بالتهريب أو الضلوع في التهريب، مثل قضية الأربعين صيادًا المحبوسين منذ أكثر من عامين دون محاكمة، وبسبب الإهمال الطبي توفي أحدهم داخل مقر الاحتجاز.
أيضا فإن عمليات الإعادة لمراكب المهاجرين/ات من البحر إلى مصر باعتبارها ميناء آمنًا هو أمر مخالف للحقيقة والواقع، إذ يتعرض المعادون إلى مصر للمعاملة القاسية من ضباط الجيش المسؤولين بقوات حرس الحدود كما يتعرضون للاختفاء القسري، في سبتمبر/ أيلول 2022 تعرض نحو 33 مهاجرا للاختفاء القسري، وكانوا قد أعيدوا قسرا من البحر المتوسط عن طريق سفينة تجارية انتشلتهم من البحر المتوسط، وصلوا ميناء بورسعيد، ورغم المناشدات الحقوقية لم تفصح السلطات المصرية عن مصيرهم بعد نقلهم من الميناء إلى قاعدة عسكرية.
ليست المرة الأولى لعمليات إخفاء قسري لمهاجرين، ففي 6 سبتمبر/ أيلول 2014، وبحسب توثيق منظمات حقوق الإنسان والمجموعات المجتمعية قامت السلطات المصرية بإخفاء جميع ركاب قارب هجرة غير نظامية بعد توقيفهم، بلغ عدد الأشخاص الذين وُثِّق تعرضهم لهذه الانتهاكات 400 مهاجر من جنسيات مختلفة بينهم مصريين وسودانيين وفلسطينيين، لا يزال مصيرهم مجهولًا حتى الآن، وتستمر هذه الانتهاكات حتى الآن، ففي 24 مارس/ آذار 2024 أعلنت منظمة هاتف الإنقاذ أنها تلقت إبلاغًا عن قارب مهاجرين تمت إعادته إلى مصر بعد انتشاله من سفينة تجارية، وتلقت “منصة اللاجئين” إبلاغات من العائلات حول اختفاء ذويهم بعد إعادتهم.
يتضح من هذه الأمثلة وغيرها، وبناء على المعاهدات والمواثيق الدولية، أن مصر ليست بلد عبور أو عودة آمنيْن، سواء لسجلها السيئ في حقوق الإنسان على مستوى السياسي الداخلي، أو على مستوى تعاملها مع المهاجرين غير النظاميين الذين تلقي القبض عليهم أو يعودون إليها “طوعا أو بالترحيل”.
إن إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي التي تعقد شراكات ممتدة مع مصر في ملف مكافحة الهجرة غير النظامية، تعلم جيدا تحفظات المدافعين عن حقوق المهاجرين وحقوق الإنسان بشكل عام، واستمرار هذه السياسة المتواطئة مع النظم التي لا تكترث بحقوق البشر قد يجعل إيطاليا شريكة رئيسية في انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في مصر وسائر دول الشمال الإفريقي، وقد يجعلها طرفا في انتهاكات القانون الدولي بتغاضيها عن تلك الممارسات واستمرار تقديم غطاء سياسي وحقوقي لأنظمة قمعية.
إن إحدى أبرز الإشكاليات الناتجة عن القرار الإيطالي بتصنيف مصر دولة آمنة؛ أنه سيجعل طالبي اللجوء تحت ضغط النظر العاجل في قراراتهم في مدة لا تتجاوز 9 أيام، ما سيجعل الذين تُصنَّف قراراتهم بأنها “بلا أساس واضح” يفقدون حقهم في البقاء داخل إيطاليا في أثناء تقديمهم الطعون، وبالتالي ستتجه الأمور إلى إبعاد ملتمس/ة اللجوء نهائيا، إذ حتى لو قُبل الطعن بعد إعادة ملتمس اللجوء، فلن تكون للقرار أهمية وهو في بلده لا يستطيع الخروج، أو في دولة ثالثة لا يستطيع تقديم دفاعه المباشر، فضلا عن حجب السلطات المصرية للوثائق الرسمية الداعمة لموقف ملتمسي اللجوء، ما يجعل مصير ملتمسي اللجوء تحت تصنيف “بلا أساس واضح” بشكل قطعي، دون إتاحة الفرصة للأفراد بتقديم مبرراتهم ومسوغاتهم بأنفسهم.
إن موجات اللجوء التي تشتكي منها أوروبا وإيطاليا تحديدا لن تنتهي بقرارات مشابهة، إذ ستظل عمليات اللجوء مستمرة ما دام الفقر والاستبداد واختلال ميزان توزيع الثروات على المجتمعات التي تعيش في ظل نظم شمولية أو أوليغاركية، وإيقاف هذه الموجات مرهون بتعزيز حقوق الإنسان وتداول السلطة، وهو ما تفعل عكسه أوروبا بدعمها المتواصل لنظام السيسي وللنظم الاستبدادية بشكل عام.
إننا نطالب الحكومة الإيطالية بالآتي:
إعادة النظر في قرار اعتبار مصر بلد منشأ آمن، وغيرها من البلدان التي لديها سجل حقوق إنسان سيئ.
مراجعة اتفاقيات الشراكة مع دول شمال المتوسط، خاصة اتفاقيات التدريب والتسليح لقوات حرس الحدود وأجهزة الأمن المصرية، وفحص مدى مطابقة الممارسات مع معايير حقوق الإنسان في عمليات الصد والرد والتعامل والاستجابة مع حركة الهجرة غير النظامية.
ربط المساعدات والتدريب بالتزام السلطات المصرية بالنقطة السابقة، وبسماحها للمنظمات الدولية والمحلية الوصول إلى المحتجزين على خلفية محاولات الهجرة أو اللجوء.
رابط البيان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.