مقتل نصر الله.. لماذا امتنعت دول عربية عن إصدار "بيانات الإدانة"؟
لا تزال تبعات مقتل الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، تتواصل في المنطقة، فيما لم تصدر إلا بيانات عربية رسمية قليلة ذُكر فيها اسم الرجل الذي قاد الحزب لعقود.
وكانت جامعة الدول العربية أعلنت بوقت سابق هذا العام، رفع اسم حزب الله من قوائم الإرهاب، لكن دول الخليج لا تزال تلصق به هذا التصنيف مثل الولايات المتحدة وإسرائيل ودول غربية أخرى.
أرجع خبراء عدم التطرق إلى اسم نصر الله في معظم البيانات الرسمية العربية، إلى أن هذه الدول لا ترغب في الظهور بأنها داعمة لحزب الله، إضافة إلى أن الفصيل الشيعي المقرب من إيران لديه بالفعل مشاكل كبيره مع عدد كبير من الدول العربية.
صفة الإرهاب
أصدرت دول عربية عدة بيانات رسمية دانت فيها الغارات الإسرائيلية على لبنان وعبرت عن دعمها للشعب اللبناني وحكومته ضد هذه الهجمات، كما دعت إلى وقف التصعيد منعا لاندلاع حرب أوسع.
الدولتان التتان تطرقتا إلى حسن نصر الله في بياناتهما، هما سوريا والعراق، وهما دولتان يتغلغل فيهما النفوذ الإيراني، أما دول مثل مصر والإمارات والسعودية والأردن، بجانب جامعة الدول العربية فلم تتطرق إلى إدانة مقتل نصر الله بشكل خاص.
وأصدرت جامعة الدول العربية، بيانًا الاثنين، أعرب فيه أمينها العام، أحمد أبو الغيط، عن تضامن الجامعة مع لبنان وشعبه "في الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد"، ودعا المجتمع الدولي للوقوف الى جوار اللبنانيين "في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية وتداعياتها، بخاصة تلك التي تستهدف المناطق المدنية".
ودان أبو الغيط "سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على لبنان والتي سقط جراءها المئات، وخلفت نحو مليون نازح"، مشدداً على أن "استباحة سيادة البلد على هذا النحو قد تؤدي الى اتساع رقعة الصراع، وأن الحل الدبلوماسي ما زال ممكنا وفق القرار 1701 الذي أعلنت الحكومة اللبنانية غير مرة التزامها به".
وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أحمد رخا حسن، في اتصال هاتفي مع موقع الحرة، إن "جميع الدول العربية أصدرت بيانات تدين اعتداء إسرائيل على لبنان وقتل المدنيين ودفعهم للنزوح".
ولفت إلى أن عدم ذكر اسم نصر الله بالتحديد يعود إلى أن "هناك دول عربية ليست على وفاق مع حزب الله، على الرغم من أنه بالأساس جزء من الحياة السياسية في لبنان وله أعضاء في الحكومة والبرلمان"، مضيفًا "كونه ارتبط بدولة أخرى، فهذا شأن داخلي".
كانت جامعة الدول العربية أعلنت في يونيو الماضي، "توافق" الدول الأعضاء على إلغاء تسمية حزب الله ككيان إرهابي.
وفي تصريحات لقناة "القاهرة الإخبارية" من العاصمة بيروت، قال الأمين العام المساعد للجامعة العربية، حسام زكي: "كان هناك تسمية لحزب الله بأنه إرهابي في قرارات جامعة الدول العربية ولذلك كان التواصل معه منقطع.. عندما توافقت الدول الأعضاء بالجامعة بعدم استخدام هذه الصيغة فإن الطريق فتح أمامنا للتواصل" مع حزب الله.
لكنه عاد وأوضح في تصريح في الثاني من يوليو لصحيفة الأهرام الرسمية المصرية، أن الخطوة "لا تعني بأي حال زوال التحفظات والاعتراضات العديدة على سلوك وسياسات وأفعال ومواقف حزب الله، ليس فقط داخلياً وإنما إقليمياً أيضاً".
من جانبه قال المحلل السعودي، مبارك آل عاتي، في تصريحات للحرة، إن السعودية ودول الخليج بشكل عام أكدت رفض انتهاك سيادة لبنان وعلى دعمها للشعب اللبناني، وتم إرسال مساعدات.
وتابع: "أعتقد أن السعودية ودول الخليج تعلم أن حسن نصر الله كان زعيم حزب إرهابي تجرمه دول الخليج، ولا تزال المنطقة تعاني من تبعات وسلوك الحزب في اختطاف سيادة لبنان، وجعله ساحة لتصفية الحسابات بين إسرائيل وإيران".
وقتل نصر الله، الجمعة، إثر غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية بيروت، ولم يتم إلى الآن تحديد من سيخلفه بعد مقتل عدد كبير من القيادات البارزة للحزب في غارات إسرائيلية أخرى.
وقال نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، الاثنين، إنه سيتم اختيار أمين عام للحزب "في أقرب فرصة".
وأكد قاسم في كلمة متلفزة أن "الخيارات ستكون سهلة لأنها واضحة ولأننا على قلب رجل واحد"، وأن هيكلية الحزب لم تتأثر بعمليات الاغتيال الإسرائيلية، لأن أي قائد يقتل يكون له نائب ويتم تعيينه على الفور.
ليس سياسيا منتخبا
بجانب التصنيف الواسع لحزب الله كمنظمة إرهابية، قال الباحث والمحلل السياسي الأردني، عامر السبايلة، إن "علاقة الحزب سيئة مع معظم الدول ويمثل تهديدا للجميع، وسبق وهدد دول الخليج بخطابات مفتوحة، وخصوصا بعد الدخول في حرب اليمن، زادت حالة العداء".
وأضف في حديثه للحرة: "لا يمكن اليوم لأي موقف رسمي عربي أن يكون موقفه الداعم للبنان يصب في مصلحة حزب الله".
كما قال إنه "بالمفهوم العربي لا نتحدث هنا عن زعيم سياسي منتخب بل زعيم جماعة، وفي معظم الأحوال العلاقات بينها وبين معظم الدول العربية ليست جيدة ومصنفة عدائية. بجانب أنه على المستوى الرسمي العالمي حزب الله مصنف من بعض الدول كمنظمة إرهابية".
وتصنف دول الخليج حزب الله كمنظمة إرهابية، لكنها طالما تعلن دعما للدولة اللبنانية.
وأعلنت السعودية والإمارات إرسال مساعدات إلى لبنان في ظل التصعيد الإسرائيلي، والذي يأتي ضمن تبعات قيام حزب الله بدعم حركة حماس في حربها مع إسرائيل والمستمرة منذ عام.
ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أحمد رخا حسن، أن "هناك قضية ضد رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في المحكمة الجنائية الدولية بسبب غزة. أين التصنيفات الإرهابية من ذلك؟ هناك معايير مزدوجة بشكل استفزازي".
ماذا بعد؟
لا يزال باب التصعيد مستمر في الحرب الدائرة حاليًا والتي اتسعت إلى لبنان، حيث يهدد مسؤولون إسرائيليون بشن عملية برية في لبنان من أجل دفع حزب الله وترسانته من الصواريخ إلى أبعد ما يمكن من الحدود الإسرائيلية اللبنانية.
ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، بدا أنه يلمح، الاثنين، إلى عملية برية محتملة ضد حزب الله في لبنان.
ونقلت عدة وسائل إعلام عن غالانت قوله لقوات من سلاح المدرعات بالقرب من الحدود اللبنانية "القضاء على نصر الله خطوة مهمة لكنها ليست النهاية. لإعادة سكان الشمال بأمان إلى منازلهم، سنقوم بتفعيل كل قدراتنا، بما في ذلك أنتم".
وقال آل عاتي في حديثه للحرة: "الأهم هنا هو أن يستغل لبنان كدولة هذه التطورات، ويعيد فرض سيطرة الجيش وتطبق الدولة النظامية المدنية والقانون لصالح الشعب اللبناني".
من جانبه، يرى الدبلوماسي المصري السابق، أن "كل الأحزاب العقائدية التي تواجه الاستعمار ليست مرتبطة بأشخاص، ولو أميركا وإسرائيل تعتقدان أنه بقتل حسن نصر الله سينتهي حزب الله فلن يحدث والمثال الأخير في أفغانستان طالبان، مع الاختلاف بين التنظيمات".
واعتبرت الولايات المتحدة في تصريحات رسمية أن مقتل نصر الله عملية "عادلة"، مؤكدة على عدم مشاركتها فيها.
لكن المحلل السعودي عاد وقال إن حزب الله "يمكنه أن يكون حزب سياسي لو أعلن إيمانه بالدولة اللبنانية وتخليه عن الولاء لأي دولة إقليمية ونفض يده من السلاح واعترف بسلطة الدولة والجيش اللبناني، حينها أعتقد أنه سيكون حزب سياسي مرحب به".
وواصل: "لكن الاغتيالات ستضعف الحزب، ومدى قبوله بدور سياسي فقط يتوقف على إيران لأن قرار الحزب بيد طهران، وهي للأسف لن تتخذ مثل هذا القرار وستعيد ترميم الحزب وقدراته واختيار قيادة جديدة وتسليحه من جديد لأنها تريد الحرب بالاختباء خلف التنظيمات لتنفيذ سياساتها في المنطقة".
وزار الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، الاثنين مكتب حزب الله في طهران لـ"التعزية" بأمينه العام، حسبما أفاد بيان نُشر على الموقع الإلكتروني للحكومة. وأكد المرشد الإيراني، علي خامنئي، بوقت سابق أن مقتل نصر الله "لن يذهب سدى".
الحرة / خاص - دبي
رابط التقرير