موقع اوريان 21 الفرنسى فى عددة الصادر امس الاربعاء 6 نوفمبر 2024
مصر. الأمم المتحدة في خدمة مشاريع عبد الفتاح السيسي الحضرية
يفترض من برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية أن تشجع مشاريع التخطيط الحضري التي تحترم البيئة وتفيد السكان، إلا أنها في الواقع تبدو متواطئة مع خطط الحكومة المصرية التي تقوم بطرد السكان، وخاصة الأكثر حرمانا. وقد افتتحت منتداها العالمي يوم الإثنين في القاهرة، على مرمى حجر من المناطق التي يناضل سكانها من أجل حقوقهم.
تستضيف القاهرة من 4 إلى 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 الدورة الثانية عشرة للمنتدى الحضري العالمي (WUF12) بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية ((UN-Habitat. ويأتي هذا المنتدى تحت عنوان بناء المدن المستدامة، بينما تواجه بعض المناطق مثل جزيرة الوراق محاولات مستمرة من الحكومة لإخلاء السكان من أراضيهم تحت مظلة مشاريع التطوير العمراني.
خلال هذا المنتدى الحضري العالمي، سيتم التطرق إلى قضايا مثل توفير الإسكان الميسور، وتحويل المستوطنات غير الرسمية “العشوائيات”، وبناء مدن قادرة على مواجهة التغيرات المناخية، ولكن على أرض الواقع في مصر، تواجه مثل هذه القضايا تناقضًا صارخًا مع السياسات الحكومية تجاه المناطق الفقيرة والمهمشة. سكان جزيرة الوراق في محافظة الجيزة، وضاحية الجميل في محافظة بورسعيد، ومن قبلهم سكان مثلث ماسبيرو، مثال على الفجوة بين الخطاب الرسمي حول التنمية المستدامة والتجارب الحية للسكان الذين يتم تهجيرهم من أراضيهم بالقوة، لتفسح المجال لمشاريع استثمارية تستفيد منها فئات معينة.
تهديد على البيئة المستدامة
لعب مكتب الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية مؤخرا دورًا في دعم الحكومة في العديد من المشاريع التنموية. ومع ذلك، كثيرًا ما تترافق هذه العمليات مع انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، أبرزها الإخلاء القسري للمجتمعات المحلية التي تعتبرها الحكومة المصرية مناطق “عشوائية” تحت ذريعة “التنمية الحضرية”. بعض هذه المشروعات تهدف إلى تطوير البنية التحتية أو إعادة تنظيم المناطق العشوائية، أو استبدال هذه المناطق بمناطق تدر أرباحا مالية للدولة، ولكنها تؤدي في كثير من الأحيان إلى إخلاء السكان من منازلهم بالقوة، دون التشاور معهم، ودون تقديم بدائل ملائمة أو تعويضات عادلة، مما يشكل انتهاكًا مباشرًا للحق في الحياة الكريمة والسكن الملائم، وهي حقوق يجب على الأمم المتحدة، وهيئاتها الدفاع عنها.
هذا التعاون يثير استهجانًا كبيرًا، خصوصًا وأن المكتب يدعو إلى مبدأ “عدم ترك أحد خلف الركب”، وهو أحد الأسس الرئيسية لأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030. فكيف يمكن لمكتب الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية أن يدعم مشاريع الحكومة المصرية، التي تثير شكوكًا حول مدى احترامها للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي التزمت بها الأمم المتحدة؟ إن هذا التناقض بين المبادئ التي يُفترض أن يحميها المكتب وبين الشراكة التي يقيمها مع حكومة تنتهك تلك الحقوق يطرح تساؤلات جدية حول مصداقية هذه الجهود. فكيف إذا كانت أحد المؤسسات الأممية، متورطة في جرائم تنتهك حقوق الإنسان، وتترك الكثيرين خلف الركب؟
يعتبر مخطط القاهرة 2050 أكثر المخططات التنموية التي أعلنت عنها الحكومة المصرية وأثارت جدلا واسعا لدي خبراء التخطيط العمراني، هذا المخطط الذي أعلنت الهيئة العامة للتخطيط العمراني البدء في إعداده عام 2008، وقت تولي مصطفى مدبولي رئيس الوزراء الحالي رئاستها، وتوقف المشروع بعد ثورة يناير 2011، ليتم الإعلان عنه من جديد عام 2012 بشراكة الهيئة العامة للتخطيط العمراني ممثلة عن وزارة الإسكان المصرية، ومكتب الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، هذا الإعلان الذي جاء بعد انتقال مدبولي من رئاسة الهيئة العامة للتخطيط العمراني الى المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية.
أدرج المخطط المقترح لمحافظة الجيزة جزيرة الوراق ضمن المناطق المقترح تحويلها إلى مساحات خضراء ومفتوحة إقليمية، متجاهلاً بشكل تام وجود ما يقرب من 100 ألف نسمة يعيشون على أرض الجزيرة، التي تُعد بيئة مستدامة تعتمد بشكل رئيسي على نشاطي الزراعة والصيد. والمفارقة أن هذا المخطط تم إعلانه في وقت كانت فيه أرض الجزيرة مصنفة كمحمية طبيعية، ما يثير تساؤلا حرجاً: هل تفوق أهمية تشييد الأبراج السكنية والمنتجعات الفاخرة على الالتزام بحماية البيئة المستدامة وحقوق الإنسان؟
اقترح كذلك مخطط القاهرة 2050 إنشاء محور روض الفرج بطول نحو 16 كم، والذي اعتبرته الحكومة المصرية فيما بعد من أضخم المشروعات التنموية. تضمن المخطط أيضا تطوير المنطقة المحيطة بهضبة الأهرام والمتحف الكبير، والتي من بينها منطقة نزلة السمان، الذي خطط لإحلالها تدريجيا، والذي أعلن عاصم الجزار، رئيس الهيئة العامة للتخطيط العمراني وقتها، قبل توليه وزارة الإسكان، أن الهيئة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، تعقد جلسات تشاور مجتمعي لمناقشة الأثر الاجتماعي والاقتصادي لبعض المشروعات المرتبطة بالرؤية المستقبلية للقاهرة الكبرى، مثل مشروع تطوير منطقة الأهرامات ونزلة السمان في الجيزة.
السكان في غير الحسبان
رغم الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه هيئات الأمم المتحدة في دعم التنمية الحضرية المستدامة، يظهر في هذا السياق غض الطرف عن الانتهاكات التي تحدث بحق السكان المحليين. فبدلًا من الدفاع عن حقوقهم، يبدو أن المكتب يساهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، في تعزيز مشاريع قد تكون مجحفة بحقهم، إذ يتم إهمال البعد الاجتماعي والاقتصادي للمتضررين في سبيل تحقيق الرؤية العمرانية الكبرى. جميع المشاريع التي ذكرناها سابقا ضمن مخطط القاهرة 2050 يتم تنفيذها حاليا، أو قد تم الانتهاء من بعضها بالفعل، حتى وإن كانت تحت مسميات أخرى، لكن ما هي الطريقة التي يتم بها التنفيذ؟ وهل راعى مكتب الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية ضرورة وضع معايير لآليات التنفيذ تلتزم بها الحكومة المصرية، خاصة في التعامل مع السكان؟
أولا، جزيرة الوراق التي كان مخطط لها أن تكون منطقة خضراء، وتغير المخطط فيما بعد لإقامة مدينة حورس لتكون مركزا للمال والأعمال تحتوي على أبراج شاهقة وسط النيل. أُعطيت أوامر البدء في إخلاء الجزيرة من سكانها بإشارة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أحد مؤتمراته، لتشهد الجزيرة هجوماً كبيراً من قوات الشرطة على السكان لإخلاء الأراضي والمنازل بالإكراه يوم 16 يوليو/تموز 2017، ليتصدى الأهالي لهذه الهجمات وينتج عنها مقتل أحد السكان، واعتقال آخرين، ولا تزال الجزيرة تشهد حصار أمنيا وغلق المداخل والمخارج المؤدية إليها حتى يومنا هذا.
ثانيا، مشروع محور روض الفرج الذي تم الانتهاء منه بالفعل. وقد صدر في عام 2014 قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 510 باعتبار مشروع محور روض الفرج من أعمال المنفعة العامة، وفي 2018 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم رقم 49 بالاستيلاء على 100 متر عرض المحور للمنفعة العامة. وقد شرعت جرافات الهدم في التنفيذ دون اعتبار للسكان أو التشاور معهم، وتم إخلاؤهم من مناطقهم دون توفير البدائل أو تقديم أي من التعويضات المناسبة، أو جبر الضرر الناتج عن أعمال نزع الملكية للمنفعة العامة.
ثالثاً، مشروع تطوير المنطقة المحيطة بهضبة الأهرامات والمتحف الكبير التي تحتوي على منطقة نزلة السمان. وقد شرعت الحكومة المصرية في إخلائها من سكانها بالقوة عام 2019، وقد ألقي القبض على عدد من الأهالي ووجهت لهم النيابة تهم التظاهر دون ترخيص، والتجمهر والبلطجة. ووفقا لخطة المحافظة وقتها، تم نقل 4800 أسرة من المنطقة، كما تحرّكت قوات الشرطة لإخلاء المنطقة دون صدور قرار المنفعة العامة من الأساس.
الأمر لم يتوقف عند الأحياء فقط، بل تخطى إلى الأموات، فقد تضمنت مخططات مصطفى مدبولي، التي أعلن عنها بالتشارك مع مكتب الأمم المتحدة، نقل مقابر القاهرة التاريخية على حدود المدينة. خلال العامين السابقين، تم إجبار المواطنين على حمل رفات ذويهم المدفونين في مقابر الإمام الشافعي لنقلها إلى أماكن أخرى، علاوة عن تجاهل القيم الفنية والتراث والطراز المعماري الذي تختص به مقابر الإمام الشافعي، من نقوش وزخارف وتصميمات تعود خاصة إلى العصر الإسلامي. وقد انتشرت مشاهد عدة للجرافات وهي تحول هذا التراث إلى ركام.
ظلّ الإمارات العربية المتحدة
في عام 2018، قدّم مكتب الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية دعمه للحكومة المصرية من أجل الوصول إلى التخطيط المبدئي لمدينة رأس الحكمة الجديدة، ووقع المكتب على اتفاقية الشراكة مع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ممثلة عن وزارة الإسكان في أغسطس/آب من العام نفسه. وأعلن انطلاق المشروع والبدء في التخطيط في ديسمبر/كانون الأول، وأعلن مكتب الأمم المتحدة دعمه لجهود وزارة الإسكان في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتطوير مدن الجيل الرابع.
في ظل إعلان المكتب الأممي دعمه لما أسماه جهود الحكومة المصرية، لم يراع الصراع القائم بين سكان رأس الحكمة ومحافظة مطروح، ومحاولات الأخيرة إخلاءهم من منازلهم بعد صدور قرار جمهوري عام 1975 باسترداد الدولة لهذه الأراضي. ثم تعطل التنفيذ وتجدده مرة أخرى عام 2015. في عام 2018، بدأت المرحلة الأولى من المشروع بنزع ملكية نحو 2 كيلومتر على طول الشاطئ بعمق 25 كيلومتر، وفي فبراير/شباط 2024 أعلنت الحكومة المصرية استحواذ حكومة الإمارات على المشروع كأكبر مشروع استثماري في تاريخ مصر.
قدرت الحكومة المصرية 150 ألف جنيه مصر كتعويض عن الفدان، في الوقت نفسه الذي ظهر فيه مستثمرون مصريون وأجانب يعرضون شراء الأرض من السكان مقابل مليون جنيه للفدان وفق شهادات هؤلاء، بينما يرفض الأهالي ترك أراضيهم دون التشاور الحقيقي معهم وتقديم البدائل والتعويضات المناسبة لهم. وقد شهد هذا العام تظاهر عدد من السكان رفضاً لوصول معدات تابعة للجيش المصري إلى مناطقهم لهدم المنازل بالقوة، للمضي قدما في تنفيذ المشروع الذي يعتز المكتب الأممي بدعمه للحكومة المصرية في تخطيطه. هكذا هو التناقض الجوهري بين أهداف الأمم المتحدة المعلنة وبين التعاون مع الحكومة المصرية. يشير هذا التعارض إلى إشكالية أعمق في كيفية عمل وكالات الأمم المتحدة على المستوى المحلي، حيث يتطلب النجاح في تعزيز التنمية المستدامة توازنًا دقيقًا بين التعاون مع الحكومات واحترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
تحتاج هذه الإشكالية إلى معالجة شاملة من خلال تعزيز آليات المراقبة والمساءلة داخل المشاريع التي يشارك فيها المكتب الأممي، وضمان عدم مشاركة المكتب في أي عملية تنموية تنتهك حقوق الإنسان الأساسية. ينبغي أيضًا إلزام الحكومات بتعديل تشريعاتها الداخلية لتتوافق مع القانون الدولي، وخاصة تلك التي تجرم انتهاكات حقوق الإنسان. كما يجب أن يتبنى المكتب موقفًا أكثر حزمًا في مواجهة أي سياسات حكومية تؤدي إلى انتهاكات حقوق السكان، حتى لو كانت تحت غطاء التنمية المستدامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.