الرئيس يحذر من شائعة "خطف النساء".. متى يتوقف النظام عن تخويف الشعب؟
الرئيس السيسي، قال خلال زيارة تفقدية لمقر أكاديمية الشرطة، إن "مواقع التواصل الاجتماعي استُخدمت في تحريك الأوضاع في مصر... وأنه لا يزال حتى الآن يوجد حجم كبير وضخم من الكذب والشائعات"
- وضرب الرئيس مثالًا على ذلك بشائعات تزعم وجود وقائع اختطاف نساء أو أطفال أو مهاجمة منازل حاليًا في مصر للإيحاء كذبًا بأنه لا يوجد أمن، مضيفا: "ده مش حاجة داخلية.. لأ.. الشغل ده بيتعمل من أجهزة مخابرات".
- ونظرا لخطورة الشائعة اللي تحدث عنها الرئيس وتعليق أعلى هرم السلطة في مصر عليها، هنحتاج نناقش المسألة ونرصد خطورتها على مجتمعنا، ونشوف الطريقة السليمة في مواجهة الشائعات واللي هي موجودة في كل مجتمعات العالم ، ولكن الفارق أنه الحكومة في مصر هي أكبر مروجي الشائعات.
**
دورة حياة الشائعات
- قبل نشوء الصحافة كانت الأحاديث الشفهية مصدر المعلومات الوحيد، ودا كان بيخلي الأحاديث مصدر خصب للشائعات، ولما انتشرت الصحافة كان الهدف الأساسي منها فرز وانتقاء المعلومات السليمة ونشرها وتجاهل المعلومات المغلوطة.
- المسيرة العظيمة من الشائعة للمعلومة مرت بيها أغلب المجتمعات تقريبًا، عشان كدا فيه علاقة عكسية بين الصحافة الحرة وانتشار الشائعات، وبالتالي البلاد المحكومة باستبداد غشيم بيحاصر الصحافة ويحبس الصحفيين، بتكون أرض خصبة للشائعات، لأنه ببساطة مفيش مصدات معرفية أو سياسية تحميها.
- في كتاب جان نويل كابفيرير "الشائعات.. الوسيلة الإعلامية الأقدم في العالم" قسّم الكاتب الشائعات إلى 3 أنواع: شائعة بلا أساس تمامًا (زي اللي قالها الرئيس عن خطف النساء والأطفال).
- وفيه شائعة لا تنشأ من فراغ تمامًا، ودا شغل المخابرات (أو الخصوم السياسيين) ويبدو أنه الرئيس عنده خبرة بالنوع دا من الشائعات من أيام ما كان رئيس المخابرات الحربية في فترة مضطربة من تاريخ مصر امتلئت البلد فيها بالشائعات.
- وأكبر مثال على النوع دا من الشائعات اللي بتحتوي جزء من الحقيقة هي الشائعة اللي رددها الرئيس عن أنه العاصمة الإدارية لم تكلف الدولة مليماً، لأنه جزء منها صحيح والموازنة العامة لم تتكلف بشكل مباشر، لكن الهيئات الحكومية (اللي عندها موازنة منفصلة) ساهمت بعشرات المليارات فيها، سواء هيئة المجتمعات العمرانية، أو شركات الجيش وكلاهما مملوك للدولة.
- وفيه شائعات لا يمكن إنكارها ولا يمكن تأكيدها، زي الشائعة اللي أطلقها الرئيس عن أنه مصر هتكون في حتة تانية بعد 15 سنة، دي ما نقدرش ننكرها لأنه لا أحد فينا يعلم الغيب، وما يقدرش الرئيس يثبتها، لأنه مش بيتكلم بناء على استنتاج علمي، بل إنه كل المؤشرات الاقتصادية بتقول إنه الوضع على يد الرئيس ينحدر دائمًا للأسوأ.
**
- لكن ما يهمنا هو نظرة الرئيس للشائعات باعتبارها شيء غامض بتعكف أجهزة استخباراتية متمرسة على إنتاجه، عشان كدا المثال اللي ضربه عن شائعة خطف النساء بينتمي لأجهزة الأمن أكتر ما بينتمي لمخابرات الدول المعادية.
- ودا مثال مش عفوي إطلاقًا، بل جاء في أعقاب اهتزاز ثقة السيسي في ثبات سلطته بعد سقوط نظام بشار، ويبدو أنه أراد تذكير المصريين بأنه عواقب الاضطراب الناتج عن أي خروج جماهيري ضده، هي غياب الأمن وما يصاحبه من موجات من خطف النساء والأطفال!
- والرئيس بيتقن النوع دا من التخويف لدرجة أنه لمح مرة بإمكانية تجنيد 100 ألف بلطجي بألف جنيه و"باكتة بانجو" لتخريب البلد لو سارت الأمور عكس ما يريد.
**
كيف تُهزم الشائعة؟
- الشائعات بتكون أكثر منطقية وتماسكًا من المثال البدائي اللي ضربه الرئيس عن خطف النساء، واللي يبدو أنه قرأه في تقارير مخابراتي منخفض الجودة خلال النقاشات الدائرة الآن في مطبخ السياسة الأعلى في البلد حول تداعيات سقوط نظام دولة بينها وبين مصر روابط تاريخية وسياسية وثقافية وشعبية متينة.
- والشائعات ديما سلاح ذو عدة أوجه، خصوصًا في أزمنة الحروب والثورات، فهي تُطلق من الدولة المعادية فعلًا لإضعاف معنويات الجنود، ودا بيكون عن طريق وسائل إعلام مسموعة ومرئية للعدو، وبتقدر الصحافة الوطنية في البلد المستهدف تفندها.
- أو تُطلق ضد عنصر محوري في نظام سياسي زي الشائعة اللي وصفت والدة الرئيس السيسي بـ"اليهودية"، وتبنتها بعض المجموعات المعارضة ليه، لكن المنصات الصحفية ذات المصداقية تمكنت من تفنيدها بسهولة.
- والأخطر أن تُطلق الشائعات من قِبل النظام السياسي ضد شعبه لتخويفه من عواقب محاولة إسقاطه، والنوع دا من الشائعات هو الأشد صعوبة على التفنيد، لأنه الشعب بيشوف انه طالما رأس السلطة لمح لشائعة معينة فهو بيعد العُدة لتحقيقها خصوصًا مع امتلاكه القدرة على ذلك.
**
- وفي الحالات الثلاثة بيكون العنصر المحوري في هزيمة الشائعة هو الصحافة الحرة والإعلام غير المُوجّه من أجهزة "السامسونج" ودا شيء مصر فقدته بعد ما بقى صحفييها المستقلين ممنوعين من العمل، وبعد ما بقت المواقع المستقلة زي "مدى مصر" و"المنصة" و"زاوية ثالثة" ومنصات التحقق زي "متصدقش" و"صحيح مصر" تحت وطأة الحجب والتهميش والتربص الأمني والبهدلة في النيابات.
- وبعد ما المواقع الصحفية الخاصة بقت مملوكة للمخابرات أو تحت سيطرتها، وخطها التحريري لا يختلف عن نشرة الشئون المعنوية، ففقدت بذلك كل مصداقية واحترام حازتهم في يوم من الأيام.
- الشائعات بتتهزم بالصحافة الحرة زي ما وضحنا، أو بثقة الناس في الحكومة، وبعد 10 أعوام من الحكم الاستبدادي وصلت مصر لطريق مسدود في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتدهورت ثقة الناس في النظام بعد مئات الوعود بتحسين الوضع بلا جدوى، فمين هيواجه الشائعات؟
- دا السؤال اللي المفروض الرئيس يسأله لنفسه مش لأي حد في فريقه، لأنه كلنا عارفين أنه مساعدي الرئيس و وزراؤه بارعين في هز الرأس وقولة تمام يا ريس، رغم أنه الأمور أبعد ما تكون عن التمام.
#الموقف_المصري
https://x.com/AlmasryAlmawkef/status/1871196770044121178
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.