زاوية ثالثة
اجتماع مدبولي و رجال مبارك: بداية جديدة أم عودة للقديم؟
بعد 13 عاماً من المحاكمات والاختفاء، تفتح الحكومة المصرية دفاترها القديمة وتستدعي رجال مبارك من جديد بينما يصل الدين المحلي إلى 10 تريليونات جنيه، وتنخفض معدلات البناء إلى 60% عما كانت عليه في 2010
بعد أكثر من 13 عامًا من الغياب عن المشهد السياسي، اجتمع رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، مع مجموعة من رجال الأعمال الذين كانت لهم أدوار بارزة خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك. يأتي هذا اللقاء في سياق جهود الحكومة لتعزيز الاقتصاد المتعثر وجذب الاستثمارات، وسط أزمة اقتصادية متصاعدة تلقي بظلالها على مختلف القطاعات.
رغم أن عهد مبارك انتهى بثورة يناير 2011 التي عُزيت أسبابها إلى سوء الإدارة السياسية والاقتصادية، فإن هذا الاجتماع أثار تساؤلات عديدة حول دلالاته في هذا التوقيت. هل يعكس محاولة للاستفادة من خبرات سابقة أم خطوة نحو إعادة دمج رجال النظام القديم في الساحة الاقتصادية؟
الاجتماع الذي عُقد في 25 ديسمبر، أعقب الاجتماع الأسبوعي للحكومة، وخصص لاستعراض تحديات القطاع الخاص. وقد استمع “مدبولي” خلاله إلى تصورات رجال الأعمال حول الإجراءات الممكنة لتحفيز النمو الاقتصادي في العام المقبل. بينما فسر البعض عودة الأضواء إلى “رجال أعمال مبارك” بمحاولة الحكومة البحث في خبرات الماضي لمواجهة الأزمات المتراكمة منذ أكثر من عقد، والتي بلغت ذروتها في السنوات الأخيرة.
شهد الاجتماع الذي عقده رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، حضور عدد من رجال الأعمال البارزين الذين كانوا من أعمدة النظام الاقتصادي خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، مما أثار جدلًا واسعًا حول أبعاد هذا اللقاء ودلالاته السياسية والاقتصادية.
وضم الاجتماع أحمد عز، القيادي السابق بالحزب الوطني المنحل، الذي كان يُعتبر من الشخصيات الأكثر تأثيرًا في رسم السياسات الاقتصادية خلال عصر مبارك. كما حضر حسن هيكل، نجل الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، والذي خضع لمحاكمة دامت ثماني سنوات بتهمة التلاعب في البورصة مع علاء وجمال مبارك، قبل أن تتم تبرئته في فبراير 2020.
كان من بين الحضور أيضًا هشام طلعت مصطفى، رجل الأعمال المعروف وعضو الحزب الوطني المنحل، الذي غادر السجن بعفو رئاسي في عام 2017، بعد قضاء ست سنوات من عقوبة بالسجن 15 عامًا في قضية مقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم. وشارك كذلك ياسين منصور، الذي واجه تجميدًا لأصوله عام 2011 على خلفية تهم فساد تتعلق بحسابات في “كريدي سويس”، قبل أن يتم تبرئته عام 2012 بعد تسوية مالية بلغت 250 مليون جنيه. ورغم هذا الحضور البارز، غاب عن الاجتماع أسماء لافتة، من بينها نجيب ساويرس وأشقاؤه.
يُطرح السؤال حول ما إذا كان هذا اللقاء خطوة حكومية لإحياء دور رجال الأعمال ذوي النفوذ السابق للمساهمة في إنقاذ الاقتصاد، أم أنه يعكس عودة تدريجية لوجوه من نظام مبارك إلى دائرة القرار الاقتصادي في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تواجهها البلاد.
الإدارة والدين والفائدة
قدم رجال الأعمال خلال الاجتماع، مجموعة مقترحات لمواجهة التحديات الحالية من بينها؛ تعزيز مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، وإعداد برنامج جديد لرد أعباء الصادرات، وإعادة النظر في أسعار الفائدة، واعتماد قواعد جديدة لعودة البناء في القرى، والاستعانة بكوادر جديدة من خريجي الجامعات الأجنبية في الجهاز الإداري للدولة.
وانتقد رجل الأعمال أحمد عز – رئيس مجموعة حديد عز- تراجع معدل نمو قطاع التشييد والبناء والأنشطة العقارية في مصر خلال الفترة الحالية، رغم ما حققه من نمو تعادل ضعف وأكثر من معدلات النمو المحققة في الناتج المحلي الإجمالي للدولة. معتبرًا أن المؤشر الأهم في قطاع التشييد والبناء هو استهلاك الحديد والإسمنت، مشيرًا إلى أنه في عام 2010 استهلاك الحديد فى مصر كان 9.9 مليون طن، وفي آخر ثلاث سنوات انخفض الاستهلاك إلى 6.5 و6.4 و6.2 مليون طن.
أوضح “عز” أن 70 % من سكان مصر ممنوع عنهم البناء حاليًا. خمسة الآف قرية و120 مركزًا بالمحافظات لا يستطيعون البناء، وفي السابق كانت السلطة تصدر 60 ألف رخصة بناء سنويًا، مضيفًا: “هذا لا يعني أننا نطالب بعودة البناء العشوائي، لكن الأمر يتطلب قواعد جديدة، فالسير في نفس الاتجاه الحالي يتسبب في تأخير قطاع التشييد والبناء تأخر عنيف.”
وأشار إلى أن الجهاز الإداري للدولة يحتاج عودة التوظيف وفتح باب تعيين الشباب بالقطاع الحكومي، خاصة مع دراسة 40 ألف طالب مصري بالجامعات الأجنبية، موضحًا أن عدد العاملين بالجهاز الإداري للدولة انخفض من ستة ملايين موظف قبل عشر سنوات إلى نحو 3.5 مليون موظف. فيما صوب رجل الأعمال حسن هيكل سهام انتقاداته خلال الاجتماع نحو زيادة معدلات الدين المحلي والأجنبي، وتحمل الموازنة العامة للدولة فائدة أكبر، موضحًا أن الدين العام المحلي على الموازنة بلغ عشرة تريليونات جنيه، عند إضافة معدل فائدة 30% تصبح فوائد الدين ثلاثة تريليونات جنيه، ولا يوجد موارد للدولة المصرية تستطيع أن تقنع رجل مالي أنه سيكون هناك توازن على المدى المرئي المقبل.
وقدم “هيكل” عدة مقترحات خلال الاجتماع، من بينها نقل أصول الدولة إلى البنك المركزي المصري، وتصفير المديونيات بالجنيه، وإنشاء صندوق سيادي تابع للبنك المركزي يضم شركات وعقارات وأراضي جميع الجهات الحكومية والسيادية، مضيفًا: “يمكن استغلال هذا الصندوق لتحقيق هدف وحدة الموازنة على مستوى الدولة، والاستفادة من العوائد في تمويل المشروعات التنموية وخطط السلطة”. مشيرًا إلى أن هذا المقترح نُفذ من قبل بشكل مقارب في إسبانيا وإيطاليا واليونان لإنقاذها خلال أزمة الديون.
أما رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لـ”مجموعة طلعت مصطفى القابضة”، فقد انتقد المستويات الحالية المرتفعة لأسعار الفائدة في مصر، قائلًا: “لا أعتقد أن الهياكل التمويلية للشركات المصرية قادرة على تحمل سعر فائدة 32% إلى ما لا نهاية”. مشيرًا إلى أن هناك مشكلة في القطاع المصرفي وأن أسعار الفائدة الحالية ليست في صالح القطاع الخاص ولا ميزانية الدولة ولا بد من النظر إليها، وأن العجز الدولاري السنوي هو أكبر مشكلة تواجه الاقتصاد المصري، والتي لها تداعيات كبيرة ولا بد من حلها.
صندوق النقد كلمة السر
يرى محمد رمضان – الباحث في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية-، أن اللقاء لم يقدم حلولاً واضحة لعبور الأزمة الاقتصادية، وأن النقاشات تمحورت حول تحديد سعر الفائدة والتطوير العقاري، الذي يعتمد بشكل أساسي على ضبط سعر الفائدة لضمان بيع الوحدات العقارية وتجنب الركود في سوق العقارات. وبالتالي، كان النقاش يركز بشكل أساسي على مصالح رجال الأعمال الشخصية.
ويشير في حديثه إلى زاوية ثالثة، إلى أهمية التعامل بجدية مع ما طرحه رجل الأعمال أحمد عز بشأن الجهاز الإداري وأزماته، خاصة أن هذا الطرح صادر عن ممثل للقطاع الخاص. وأن مصر تعاني من أزمة كبيرة في الجهاز الإداري، على عكس ما تروج له السلطة بشأن تضخم هذا الجهاز.
ويرى الباحث في الحقوق الإقتصادية أن اللقاء بمثابة رسالة موجهة إلى صندوق النقد الدولي، لإثبات إشراك القطاع الخاص وفقًا لرغبات الصندوق الذي يوجه الدولة لدعم القطاع القطاع. ويؤكد أن الأزمة الاقتصادية في مصر لن تنتهي إلا بوجود إرادة سياسية لحلها بشكل جذري وحقيقي.
في السياق ذاته، يرى أكرم إسماعيل – القيادي بحزب العيش والحرية، تحت التأسيس، والحركة المدنية-، أن الحكومة تستخدم دعم رجال الأعمال كورقة أمام صندوق النقد الدولي، خاصة بعد أن أعرب رجال الأعمال عن انزعاجهم من السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومة على مدار السنوات الماضية، وكذلك عن حجم تدخل الجيش في الاقتصاد. و”لذلك فإن هذا الاجتماع يأتي كمحاولة لإرضاء صندوق النقد والمستثمرين.”
ومع ذلك يرى “إسماعيل” أن موقف صندوق النقد والمستثمرين الأجانب لا يعتمد فقط على آراء رجال الأعمال المصريين، رغم أن آرائهم تظل مهمة، لكن هناك عوامل أخرى تؤثر على القرارات.
يوضح القيادي في حزب العيش والحرية في حديثه معنا، أن الصراع بين إدارة نظام السيسي ورجال الأعمال لم يتوقف قط، وقد تجلى ذلك في فرض ضرائب على رأس المال ثم التراجع عنها، وفي القبض على رجل الأعمال صلاح دياب ثم الإفراج عنه، وكذلك في سحب أراضٍ بالساحل الشمالي. هذه الممارسات تؤكد أن هناك عملية ضغط متبادلة مستمرة بين الطرفين، وأن هذا اللقاء يشكل أبرز المفاوضات الحقيقية التي تحدث على أرض الواقع في مصر.
يضيف أن مصر تفتقر إلى نقابات عمالية حقيقية تدافع عن الفقراء، وإلى أحزاب يسارية قوية تعبر عن الطبقات الأقل دخلًا. ولذلك تشهد البلاد نوعًا من المفاوضات الاجتماعية بين جناحين لهما مصالح متشابكة؛ هما السلطة البيروقراطية العسكرية ورجال الأعمال. ومن ثم، تعتبر هذه الجلسات أهم مفاوضات تجري بين أجنحة النظام الاجتماعي، في ظل غياب التنظيمات المدنية والنقابات، ما يؤدي إلى تهميش المواطنين العاديين عن هذه المفاوضات.
ومن الناحية السياسية يرى إسماعيل أن هناك أزمة اقتصادية خانقة، وأن الدولة بحاجة إلى أموال من الخارج لم تصل بعد، في حين تتعرض لضغوط من صندوق النقد الدولي بسبب تداخل الجيش في الاقتصاد. ما يجعلها تحاول إيجاد مخرج من هذا المأزق.
وفي وقت سابق، أعلن صندوق النقد الدولي التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع مصر بشأن المراجعة الرابعة لبرنامج التسهيل الممدد، ما سيمكن مصر من الحصول على حوالي 1.2 مليار دولار، لكن تحويل المبلغ سيكون رهن موافقة المجلس التنفيذي للصندوق.
وأنهت مصر المراجعة الأولى مع الصندوق، وحصلت على شريحة بقيمة 347 مليون دولار، ثم تبعته بالشريحتين الثانية والثانية بقيمة 820 مليون دولار لكل شريحة، ليبلغ مجموع ما حصلت عليه مصر حتى نهاية المراجعة الثالثة 1.98 مليار دولار.
محاولة لحل الأزمة أم للتجميل؟
يرى الباحث الاقتصادي زهدي الشامي – نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي-، أن هناك دلالات سياسية لهذا الاجتماع تعكس سياسات النظام الحالي. فبعد مرور 14 عامًا، ومع كل أزمة، يعيد النظام البحث إما عن رجال نظام مبارك السابق، لأنهم جزء من تركيبة السلطة، أو يستدعي بعض وجوه صندوق النقد الدولي الذي يُثار الحديث عنه من وقت لآخر؛ إلا أن الحقيقة تكمن في أن هذه السلطة غير جادة في البحث عن حلول جذرية للخروج من الأزمة التي تسببت فيها.
يضيف في حديثه مع زاوية ثالثة أن صندوق النقد الدولي يرغب في استمرار الوضع الراهن دون التوصل إلى حلول حقيقية للأزمة الاقتصادية المتفاقمة منذ ثلاث سنوات، والتي تفجرت مع هروب الأموال الساخنة من مصر في عام 2021. هذا الحدث كشف عن الوضع الاقتصادي المصري الحقيقي، ودفع السلطة لـ اللجوء إلى الحوار الوطني للتلاعب والهروب من مواجهة الأزمة الحقيقية دون الاعتراف بها أو البحث عن حلول ذات مصداقية.
ويؤكد الباحث الاقتصادي أن محاولة العودة إلى رجال مبارك أو التوجه لصندوق النقد مجددًا ليست سوى استمرار لنفس نهج التلاعب. هؤلاء، في إشارة إلى رجال أعمال مبارك، لن يتمكنوا من تقديم حلول حقيقية للأزمة، خاصة أن بعض المشكلات تعود جذورها إلى عهد مبارك مثل الخصخصة والتضخم والتلاعب بأرقام الدولة والدين العام. وأضاف أن وزير مالية مبارك، يوسف بطرس غالي، كان قد شطب 200 مليار جنيه من الدين العام بعدما استولى على أموال التأمينات ودمج صناديق المعاشات، ما أدى إلى ترويج كاذب عن انخفاض الدين العام للتستر على أزمته الحقيقية.
يشدد نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي على أن أي إصلاح اقتصادي يجب أن يكون مرتبطًا بإصلاح سياسي حقيقي. فلا يمكن تحقيق نتائج إيجابية دون إصلاح شامل لمنظومة إدارة البلد وإجراء تغييرات سياسية جذرية.
من جانبها، ترى منى عزت – الباحثة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية-، أن جلسات الحوار قد تكون مفيدة من حيث المبدأ، حيث تتيح فرصة التواصل المباشر بين الحكومة والقطاع الخاص. وتعتبر هذه اللقاءات جزءًا من الحوار الوطني الذي دعمه السياسيون وبعض المعارضين. ولكن في النهاية، تفقد هذه الجلسات جديتها وفعاليتها نظرًا لعدم اتخاذ الدولة خطوات حقيقية وواضحة لتنفيذ التوصيات وتبني الآراء المقدمة والخروج بتقرير واضح عن مدى تفاعلها مع المقترحات.
توضح في حديثها معنا أن فقدان الجدية في مثل هذه اللقاءات يؤدي إلى تراجع الحماس والاهتمام بها، ما ينعكس سلبًا على المواطنين الذين كانوا يتابعون هذه الجلسات ويعقدون آمالًا عليها. لذلك، نحن في انتظار ما ستقدمه السلطة من تقرير حول نتائج المناقشات مع رجال الأعمال، أو ما إذا كان مصير هذه اللقاءات سيكون مثل جلسات الحوار الوطني، مشيرة إلى أن السلطة بحاجة إلى أن تتسق بين ما تعلنه من سياسات وما تنفذه على أرض الواقع. “بمعنى أن السلطة تتحدث عن ضرورة توسيع دور القطاع الخاص، الذي بدوره يحتاج إلى سياسة اقتصادية واضحة وإجراءات تحفيزية، على ألا تأتي هذه الإجراءات على حساب حقوق العمال والعاملات في المصانع والشركات. الهدف الأساسي من إشراك القطاع الخاص يجب أن يكون توفير فرص عمل لائقة بـ أجور عادلة وعقود وتأمينات، لتحسين ظروف المواطنين وتعزيز مؤشرات التنمية. لكن هناك تباطؤ في تنفيذ هذا الهدف، ما يزيد من معدلات الفقر والبطالة ويضعف ثقة الناس في هذه اللقاءات والنقاشات، بما في ذلك القطاع الخاص نفسه.”
تؤكد منى أن الدولة بهذه الطريقة تضعف كل آليات الحوار والفرص التي قد تساهم في وضع سياسات اقتصادية منتجة تساهم في تحسين مؤشرات التنمية.
وانخفضت قيمة العملة المحلية مجددًا أمام الدولار، ليتجاوز الـ 51 جنيه وذلك بعد قرار البنك المركزي في مارس الماضي بتحرير سعر الصرف مجددًا للمرة السادسة منذ عام 2016، وذلك في إطار تنفيذ اشتراطات صندوق النقد الدولي لـ منح مصر قرض قيمته ثمان مليارات دولار، التي تضمنت بجانب تحرير سعر الصرف بيع أصول مملوكة للدولة والجيش وتمكين القطاع الخاص.
لا جديد
أثار ظهور ما عرفوا برجال مبارك خلال لقائهم مع رئيس الحكومة، الجدل بين الأوساط السياسية واعتبروا أن هذا اللقاء هو الأول من نوعه منذ سقوط مبارك وإمبراطويته الحاكمة، لكن رصدت زاوية ثالثة تحركاتهم خلال السنوات السابقة بهدف إنقاذ الدولة المصرية من تعثرات اقتصادية، وذلك من خلال بعض الصفقات الدولارية التي انتهت بشراء رجال الأعمال بعض الأصول.
في ديسمبر من العام 2023، استحوذت مجموعة طلعت مصطفى المصرية عبر شركتها التابعة، العربية للاستثمارات الفندقية والسياحية أيكون على حصة تصل إلى 51% في سبع فنادق تملكها الحكومة المصرية بقيمة 800 مليون دولار. وفي فبراير من العام المنصرم 2024، وقعت شركة أيكون Icon عقد الاستحواذ النهائي على حصة الأغلبية البالغة 51%، مع حقوق إدارة كاملة في شركة ليجاسي للفنادق والمشروعات السياحية من خلال زيادة رأس المال.
والفنادق السبعة هي فندق سوفيتيل أولد كتراكت أسوان الذي يعود تاريخ إنشائه إلى 1899، ومنتجع موڤنبيك أسوان وفندق سوفيتيل وينتر بالاس الأقصر الذي أُنشئ عام 1886، وفندق شتايجنبيرغر التحرير وشتايغنبرغر سيسل الإسكندرية وفندق ماريوت مينا هاوس بالقاهرة وماريوت عمر الخيام بالقاهرة. وجاء بيع الفنادق التي تمتلكها الحكومة المصرية ضمن برنامج الطروحات الذي تعول عليه مصر لتحقيق سيولة نقدية من العملة الأجنبية.
وخلال العام الماضي، قام رجل الأعمال أحمد عز بشراء حصة الحكومة المصرية في العز الدخيلة للحديد والصلب، وشطب إدراجها من البورصة المصرية، حيث وافقت الجمعية العمومية للشركة على شراء أسهم الجهات الحكومية البالغة نحو 32.9% بقيمة تصل إلى ثمانية مليارات جنيه، والمملوكة لعدة جهات أبرزهم: (بنك الاستثمار القومي، والبنك الأهلي، وبنك مصر، وهيئة البترول، ومصر للتأمين)، إضافة إلى جهات حكومية أخرى.
وشهدت حضور كامل مساهمى الجهات الحكومية، وبموافقة بنسبة تصل 97% من إجمالي مساهمى الشركة، بالإضافة إلى الموافقة أيضًا على تمويل صفقة الشراء من خلال القرض الدولارى الذى أعلنت عز الدخيلة عن الحصول عليه من بنك الإمارات دبي الوطني. جاء هذا بعد موافقة مجلس إدارة شركة “العز الدخيلة للصلب”، على شطب أسهم “العز الدخيلة للصلب الإسكندرية” اختياريًا من البورصة، مع شراء أسهم المتضررين من الشطب الاختياري بسعر 1250 جنيهًا للسهم الواحد، وباعت الجهات الحكومية حصتها في الشركة عبر هذه العملية بقيمة تصل إلى 241 مليون دولار.
ويرى إلهامي الميرغني – الباحث والمحلل الاقتصادي- أن مصر تُحكم منذ عقود بحلف طبقي من رأسمالية الدولة والرأسمالية العقارية والمستوردين ووكلاء الشركات الأجنبية، و”لذلك عندما يعقد رئيس الوزراء لقاء مع رجال الأعمال فهذا طبيعي، لكنه لم نراه هو او غيره يلتقي بممثلي الفلاحين أو العمال أو أصحاب المعاشات أو حتى الأطباء والمهندسين والمعلمين، لأن هدف الاجتماع هو تحقيق المزيد من التوافق بين أقطاب الحلف الطبقي الحاكم وصنع السياسات التي تخدم المزيد من هيمنتها الاقتصادية واحتكاراتهم التي تعاظم من أرباحهم.”
ويلقى “الميرغني” الضوء على هشام طلعت مصطفى الذي تحدث كنموذج في الاجتماع عن تأثير التضخم وسعر الصرف على نشاطهم وأرباحهم، كنموذج لرجال الأعمال من ناحية وللقطاع العقاري الأقرب لقيادة الحلف الطبقي مع رأسمالية الدولة إضافة إلى الشراكة المعروفة لمجموعته مع رأسمالية الدولة.
ويشير إلى أن هذه الشراكة منحت المجموعة أرض مدينة الرحاب ومدينتي بأسعار متدنية ثم شركاتها في العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة ورأس الحكمة وهو ما حقق الأرباح الخيالية للمجموعة، إذ حققت مجموعة “طلعت مصطفى القابضة، أكبر شركة عقارية مدرجة في بورصة مصر، أرباحًا صافية بلغت 2.23 مليار جنيه في 2022، بارتفاع سنوي 25%، بدعم من مبيعات الوحدات العقارية السكنية والمكاتب التجارية، حسب بيان للشركة، لا سيما في مشروع المجموعة بالعاصمة الإدارية “سيليا”، وأداء القطاع الفندقي زادت إيرادات المجموعة المُجمَّعة على أساس سنوي 29% إلى نحو 19.9 مليار جنيه في2022. بالإضافة إلى صفقة الاستحواذ على الـ7 فنادق عبر ذراعها الفندقية “أيكو”.
كشفت مجموعة طلعت مصطفى القابضة عن تحقيقها مبيعات غير مسبوقة بقيمة تزيد على نصف تريليون جنيه عشرة مليارات (دولار حتى 22 ديسمبر الماضي 2024). وقالت الشركة، في بيان مرسل للبورصة المصرية المبيعات القياسية إلى التوسع في أسواق جديدة، كالسوق السعودية ومنطقة الساحل الشمالي المصري. وقالت إن حجم المبيعات بلغ مستوى غير مسبوق بنحو28 ألف وحدة خلال العام بارتفاع مقارنة بنحو 17 ألف وحدة مبيعة في 2023، إذ قفزت قيمة المبيعات بمعدل 3.5 ضعف مقارنة بـ 143 مليار جنيه في 2023. وحققت الشركة أرباحًا بلغت 9.06 مليار جنيه خلال الفترة من يناير حتى نهاية سبتمبر 2024 ، مقابل 2.69 مليار جنيه في الفترة المقارنة من 2023. وارتفعت إيرادات النشاط العقاري للشركة خلال الأشهر التسعة إلى 16.05 مليار جنيه، مقابل 13.52 مليار جنيه في الفترة المقارنة من العام السابق مصطفى القابضة» تحقق مبيعات بقيمة نصف تريليون جنيه.
ويرى “الميرغني” أن هذه الأرقام تعكس حقيقة المعاناة والخسائر التي تحدث عنها هشام طلعت مصطفى خلال لقائه، وما أكد عليه نجيب ساويرس بأنه صحيح 100% من هذه الأرباح الخرافية التي يجنيها القطاع العقاري من الشراكة مع السلطة، وأن رأسمالية الدولة البيروقراطية وأجهزتها الفاسدة هي التي تضخ المليارات كأرباح في خزائن القطاع العقاري وغيره من القطاعات المتعاونة مع رأسمالية الدولة. ولذلك فإن مشاكل سعر الدولار ومشاكل أسعار الفائدة ربما تشكل عائق أمام القطاع الزراعي والصناعي والمستثمر المتوسط والصغير والقطاع غير الرسمي. ولكنها تضخ المليارات إيرادات وأرباح في القطاع العقاري مثل شركات هشام طلعت مصطفى وآل ساويرس وآل منصور.
ويوضح أن اجتماع رئيس الحكومة مع رجال الأعمال انتهى كما سبقه الاجتماع بالصحفيين والإعلاميين والاجتماع بـ الخبراء والمفكرين ومن قبلهم الحوار الوطني بكل دراساته وتوصياته. و”أمام ذلك لن تتوقف الحكومة عن الاقتراض الخارجي والداخلي ولن تحقق وحدة الموازنة ولن تنسحب من النشاط الاقتصادي ولن تبحث أسباب هروب الشركات للخارج وأسباب عزوف الاستثمار الأجنبي عن مصر تستمر خطط الخصخصة والبيع والتضخم وسعر الصرف. وكل ما قيل في اللقاء مجرد كلام فهذه الحكومة لا تسمع الا صوت نفسها ومصالحها وكل ما يحقق ذلك تنفذه. ولذلك يبقي الحال على ما هو عليه.”
وتترقب القاهرة اجتماعات المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، لإقرار صرف الشريحة الرابعة بقيمة 922.87 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (ما يعادل 1.2 مليار دولار)، ضمن قرض الـ ثمانية مليارات دولار، وذلك بعد إتمام المراجعة الرابعة لبرنامج مصر خلال الأسبوع الأخير من ديسمبر الماضي. وخلال الفترة من أبريل إلى أغسطس 2024، تلقت مصر، الشريحتين الثانية والثالثة من قرض صندوق النقد الدولي، إذ بلغت قيمة كل شريحة 820 مليون دولار. وكانت الشريحة الأولى، التي حصلت عليها مصر في نهاية عام 2022، بقيمة 347 مليون دولار.
الرابط