نص تقرير الجبهة المصرية لحقوق الانسان الصادر بتاريخ يوم الجمعة 7 أغسطس 2020 عن سجن القناطر للنساء
اعتمدت الجبهة المصرية لحقوق الانسان في اعداد هذا التقرير عن سجن القناطر للنساء على عدد من المقابلات مع محتجزات سابقات بسجن القناطر ومع بعض أهالي المحتجزات ومحاميهنّ، كما اعتمدت على رصد أخبار وتقارير نشرتها منظمات المجتمع المدني ومؤسسات إعلامية، والشهادات المنشورة للمحتجزات السابقات عن أحوالهنّ بالسجن منذ أغسطس 2013.
بيانات السجن
أنشئ سجن القناطر الخيرية العمومي عام 1957، ويقع بمنطقة زراعية بمحافظة القليوبية على بعد 25 كيلومترًا شمالي غرب القاهرة، ويخضع قانونًا لإشراف نيابة القناطر الجزئية بدائرة مركز شرطة القناطر الخيرية.
وفقًا لقرار وزير الداخلية رقم 12299 لسنة 1999، فإن سجن القناطر نساء مخصص لاستقبال المحكوم عليهن بعقوبة السجن أو الحبس، ويضم 9 عنابر بالإضافة إلى عنبر للتأديب، على أن تكون السعة الصحية للسجن 225 مسجونة، وحسب المقابلات التي أجرتها الجبهة المصرية، أشارت المحتجزات السابقات إلى أن السجن يضم 12 عنبرًا يفترض أن تتوزع عليها المحتجزات حسب الاتهامات الموجهة إليهن، وحالتهن القانونية، وحالتهنّ الصحية، وما إذا كن حوامل أو حاضنات لأطفال داخل السجن، ولكن بسبب التكدس في السنوات الأخيرة لم تعد الإدارة تتقيد بمعايير توزيع المحتجزات الواردة بالمادة 82 مكرر بلائحة السجون، فصارت توزع المحتجزات على خلفية تهم سياسية وسط السجينات الجنائيات وتودع المحبوسات احتياطيًا مع المحكومات.
العنابر هي عنبر 1 وعنبر 2 للمحبوسات احتياطيًا من الجنائيات، واُلحِق بعنبر 1 غرفتان للسجينات السياسيات، إحداهما للمحبوسات احتياطيًا والأخرى للمحكوم عليهن. أما بقية العنابر فهي عنبر الإيراد، وعنبر الأموال العامة، وعنبر المخدرات، وعنبر السرقة، وعنبر الآداب، وعنبر الحوامل والأمهات، وعنبر كبار السن والمرضى (الضعفاء)، وعنبر المخصوص (الإعدام)، وعنبر التأديب، وعنبر العسكري، وتقع العنابر الثلاثة الأخيرة في مكان منفصل عن بقية العنابر. كما توجد بالسجن مستشفى مكونة من طابقين، وكانتين وكافيتيريا، بالإضافة لمشغل تعمل به بعض السجينات بصناعة الملابس والمشغولات اليدوية. أما فيما يخص التريض فيتم في مساحة صغيرة (7 أمتار) بين العنابر، حيث تقع ساحتان للتريض الصباحي والمسائي.
يحيط بالمنطقة الداخلية للسجن سور تقع خارجه أماكن الزيارات، وهي عبارة عن قفص كبير لزيارات الجنائيات، وقفص أصغر حجمًا يستخدم في زيارات السياسيات وكذلك لاحتجاز السجينات اللاتي سوف تعرضن على النيابة. خارج هذا المكان يوجد حوش واسع به مكتب مأمور السجن ومكتب رئيس المباحث ومبنى إداري من طابقين للسجانات والمخبرين
تنتقل السجينات من وإلى سجن القناطر في سيارات الترحيلات. في أغسطس 2017 نشر المجلس القومي للمرأة بعد زيارته لسجن القناطر بأن إدارة السجن قد استبدلت بسيارات الترحيلات الحديدية سيئة التهوية “أتوبيسات مكيفة” لتقلّ السجينات خارج السجن. لكن كل من وثقت معهنّ الجبهة المصرية خلال عام 2019 شكون من استمرار السجن في استخدام السيارات الحديدية ، والتي تكون مظلمة وقارسة البرودة شتاء وشديدة الحر صيفًا. وتستخدم ذات السيارات لنقل الحوامل والأمهات مع أطفالهن الرضع، وهو ما تسبب لإحدى السجينات الحوامل بنزيف متكرر نتيجة الاهتزاز الشديد لسيارة الترحيلات وعدم إمكانية الجلوس بثبات داخلها لضيق “الدكة” الحديدية.
حالة الزنازين والعنابر ومرافق السجن
أشار عدد من المحتجزات السابقات ممن وثّقت معهنّ الجبهة المصرية، إلى التردي الشديد للسجن ومرافقه. فالموقع الصحراوي للسجن والتكدس الشديد بالعنابر يؤثران سلبًا على التهوية والنظافة وجودة المياه. أما مرافق السجن فتتسبب رداءة بعضها وسوء تنظيم بعضها الآخر من قبل إدارة السجن بمشكلات صحية ورفع تكاليف الاحتجاز على السجينات وذويهن.
التكدس والتهوية ونظافة العنابر
تضم كل عنابر السجن عددًا من السجينات أكبر من طاقتها الاستيعابية. في عنبر الإيراد حيث تمكث كل السجينات الجدد لمدة 11 يوما لحين توزيعهن على عنابرهن، توجد ثلاثة “ملل” كل “ملة” عبارة عن ثلاثة أسرة متراصة فوق بعضها البعض، عرض الواحد منها حوالي 80 سم، في مساحة تقارب الثلاثة أمتار في الأربعة أمتار. يتكدس داخل هذا العنبر ما لا يقل عن 30 سجينة، وأحيانا يصل العدد إلى 95 سجينة، يتشاركن كل ثلاث سجينات على سرير، وتنام باقي السجينات على أرضية الغرفة وأحيانًا أرضية الحمام، بينما تنام “نبطشيتا العنبر” كل على سرير خاص بها. ولا يختلف الوضع بالنسبة لباقي العنابر الأكبر مساحةً. في عنبري 1 و2 حيث توجد صالة واسعة تحوي قرابة 120 سريرًا، يتواجد حوالي 560 سجينة، تنام كل اثنتين على سرير، وتنام الباقيات على الأرض بين الأسرة وفي الممرات. أما الغرفة المخصصة للسجينات السياسيات ممن لا زلن قيد التحقيق، فيوجد بها 15 سريرًا في مساحة 5 أمتار في 4 أمتار، ويتراوح عدد السجينات فيها من 30 إلى 40 سجينة تتشارك كل اثنتين أو ثلاث في السرير الواحد.
أما عنبر الضعفاء والمرضى، فتتواجد به حوالي 175 سجينة رغم احتوائه على قرابة 50 سريرًا فقط، فتتشارك كل ثلاث سجينات على سرير، وتنام الباقيات على الأرض رغم مرضهن. وتعاني المحتجزات بعنبر الدواعي من التكدس ذاته، وينمن جميعًا على الأرض حيث لا تتواجد أسرة مطلقًا بهذا العنبر. أما زنازين الحبس الانفرادي فهي ضيقة للغاية (180 سم x 160 سم)، ولا يوجد بها شباك أو فتحات في الباب للتهوية. وتوجد مروحة سقف واحدة خارج الزنازين الانفرادية حيث تجلس السجانات، ولا تصل التهوية إلى داخل الزنزانة.
وبسبب هذا التكدس الشديد، وكون الشبابيك داخل العنابر مصنوعة من الحديد ومغطاة بالسلك، تعاني السجينات على الدوام من سوء التهوية وانتشار الروائح الكريهة بالعنابر، خاصة مع التدخين المستمر داخل العنابر، واستخدام السخانات الكهربائية طوال اليوم، وهو ما تسبب لعدد من السجينات بأمراض صدرية وحالات اختناق متكررة. توجد بالعنابر مروحة سقف واحدة لا تكفي للتهوية، ولم تستجب إدارة السجن لطلبات السجينات المتكررة بدخول مراوح إضافية ولو على حسابهن الشخصي.
كما تشكو السجينات في كافة عنابر السجن من قلة النظافة ما يتسبب في انتشار الأحيان وظهور الثعابين في بعض الأحيان،على الرغم من تعيين بعض السجينات الجنائيات كمسؤولات عن نظافة العنابر مقابل عدد معين من علب السجائر تدفعه كل سجينة. ولا توفر إدارة السجن أدوات التنظيف، ويتعين على السجينات شراؤها بضعف ثمنها من الكانتين أو إحضارها من خلال زيارات الأهالي. كما أن الإدارة لا تسمح بدخول المبيدات الحشرية، ولا تقوم بإجراءات للتخلص من تلك الحشرات سوى ما يسمى بـ’الحرق‘ أي إخراج كل ما في العنبر وحرقه لقتل الحشرات الموجودة بداخله، ولكن تعاود الحشرات والثعابين الظهور بالعنبر ثانية بعد يومين أو ثلاثة. أما سجينات عنبر العسكري فهن الأقل حظا، حيث يطلق على العنبر اسم “عنبر الزبالة” لوجوده بجانب المنطقة التي تتخلص فيها إدارة السجن من القمامة، وتودع الإدارة السجينات بعنبر العسكري كنوع من العقاب، وقد تمكث السجينات به لأشهر طويلة تتحملن خلالها الرائحة الكريهة المنبعثة من خارج العنبر.
مرافق السجن
الأسرّة بالسجن مصنوعة من الحديد ولا يوفر السجن سوى مرتبة إسفنجية واحدة رقيقة للغاية، ولا يسمح بإدخال المراتب والمخدات من خارج السجن. تسكّن السجينات على الأسرة حسب الأقدمية ومقابل “إيجار شهري” ثابت قدره خرطوشة سجائر (10 علب). يوفر السجن كذلك بطانيتين خشنتين رديئتي الجودة، ويوفر أهالي السجينات باقي مستلزمات السرير من ملاءات وأغطية وستائر. تؤدي صلابة الأسرة إلى إصابة الكثير من السجينات بمشاكل بالعظام والدورة الدموية، خاصة وأن السجينات السياسيات يقضين معظم يومهنّ على جزء من السرير، حيث يمنعن من التريض إلا ساعتين في اليوم أو أقل.
تظل العنابر مضاءة طوال الأربع والعشرين ساعة، ولا تتوزع الإضاءة بالعنابر بشكل جيد، وهو ما يكون مؤذيًا للغاية لمن هنّ بالأسرة العلوية لقربهنّ من مصدر الضوء والحرارة المنبعثة منه.
لا تستوعب حمامات السجن كل السجينات بالعنبر الواحد بسبب التكدس، ما يضطرهن لانتظار طويل قد يصل لساعتين من أجل استخدام الحمام. ولا يُسمح للسجينات بالزنزانات الانفرادية بدخول الحمام سوى مرتين في اليوم، وفيما عدا ذلك يلجأن لقضاء حاجتهنّ في “جردل” بداخل الزنزانة. أما الاستحمام داخل العنابر فيكون بأخذ الإذن من نباطشية العنبر والانتظار حتى تنتهي جميع السجينات من دخول المرحاض. ورغم اضطلاع إحدى السجينات الجنائيات بمسؤولية تنظيف الحمام بمقابل مادي، إلا أن كل من وثقت معهنّ الجبهة قالوا بأنه متسخ دائمًا ويعدّ بيئة ملائمة لانتشار البكتيريا والأمراض المعدية، سواء الحمامات “البلدي” والأفرنجي.”
شكت كافة المحتجزات من أن المياه تنزل من الصنابير سوداء اللون كريهة الرائحة، وبها ديدان وأسماك صغيرة، وباردة دائمًا. وذكرن جميعًا تسبب تلك المياه بمشاكل جلدية كالحبوب وتساقط الشعر وظهور بقع سوداء بالجلد وتغير لونه، ما كان يضطرهن إلى استخدام المياه المعدنية والفلاتر الخاصة للاستحمام والوضوء، وهو ما جعل من استخدام المياه عبئًا ماديًا إضافيًا قد يبلغ 60 جنيهًا يوميًا.
تتعنت إدارة السجن في إدخال أدوات النظافة الشخصية، ولا توفر للسجينات سوى الصابون. وفسرت بعض المحتجزات السابقات ذلك بأنه سعي من الإدارة للتربح من خلال إجبار السجينات على شراء تلك المستلزمات من كانتين السجن بأضعاف ثمنها في الخارج. كما لا يسمح للسجينات بالقناطر غسل ثيابهن وكيّها بأنفسهن، بل عليهنّ دفع حوالي 200 جنيه شهريًا لإحدى الجنائيات المسؤولة عن الغسيل والكي.
تتوفر فئات مختلفة من الطعام بالسجن. الوجبات التي يعدها السجن تسمى “التعيين”، وأجمع كل من وثقت معه الجبهة على عدم صلاحيته للأكل وعدم نظافة الصحون التي يقدم فيها، بالإضافة إلى ضآلة كميته وخلوّه من أي نوع من البروتين الحيواني – وذلك على عكس ما ينشر في بعض وسائل الإعلام عن كميات وجودة الطعام وتوازن مكوناته الغذائية. وتوفر الإدارة كذلك لكل عنبر يوميًا كرتونة من بعض المواد الغذائية من أرغفة خبز وجبن وبعض الخضروات.
تلجأ السجينات بدلًا من التعيين إما إلى الأكل الذي يأتي به أهاليهن في الزيارة، أو إلى شراء الأكل من الكافتيريا بأسعار باهظة للغاية، أو شراء ما يسمى بـ’المعيشة‘ وهو طعام تقوم السجينات الجنائيات بطبخه بمقابل مادي قد يصل إلى 1200 جنيه شهريًا. لكن لا يكون ذلك متاحًا للجميع، فالسجينات بعنابر الإيراد والتأديب يفرض عليهن طعام التعيين، وكذلك الكثير من الجنائيات اللاتي لا يتلقين الزيارات ولا يملكن المال الكافي لشراء طعام الكافتيريا. ولا توفر الإدارة ثلاجات لتخزين الطعام إلا مقابل، وهو “إيجار” شهري يعادل 40 جنيهًا شهريًا، قد تزيد حسب كمية الطعام المخزن.
معاملة المحتجزات بالسجن
تفيد شهادات المحتجزات السابقات ممن وثقت معهن الجبهة، بالإضافة للأخبار المتواترة عن السجن، أن سوء المعاملة داخل سجن القناطر يتعدى كونه حالات فردية إلى سياسة ممنهجة تتبعها الإدارة مع نزيلات السجن. ولا يقتصر سوء المعاملة على سجينات بعينهنّ أو مرحلة معينة من حياة السجينة داخل السجن، بل يستمر طوال فترة التواجد بالسجن، سواء عند التفتيش أو فيما يخص علاقات السجينات ببعضهن، وتعاملهن مع الإدارة.
أبرز الانتهاكات يحدث فور دخول السجينة إلى سجن القناطر وتعرضها للتفتيش على يد إحدى السجانات. تتبع الإدارة في السجن طريقة ’التفتيش العاري،‘ وذلك بتجريد النزيلة من كافة ملابسها حتى الداخلي منها، وتمرير السجانة يدها على جسد السجينة. وتتعرض السجينات لـ’التفتيش المهبلي،‘ إما بأن تقوم السجانة بفحص المهبل بأصابعها، وإما بأمر السجينة بفتح ساقيها والقيام والجلوس عدة مرات. وقد ورد في شهادة المحتجزات السابقات ما يفيد بأن السجانات يتعمدن إهانة السجينات والتحرش الجنسي بهنّ، وذكرت إحدى الشهادات أن سجانتين بعينهما كن يتعدين التفتيش إلى التحرش الجنسي واللفظي بالسجينات. ويأخذ العنف الذي تواجهه النزيلات بصفتهنّ نساء أشكالًا أخرى، أهمها قيام المخبرين الرجال بتفتيش متعلقاتهنّ الشخصية دون مراعاة لخصوصية محتوياتها.
تحكم العلاقات بين السجينات قواعد محددة وصارمة. فلكل عنبر ’نباطشية‘ جنائية هي المسؤولة عن تسيير أموره نظير أجر. تمنع الإدارة منعًا باتًا أي حديث بين السياسيات والجنائيات، وتكلف نباطشيات العنابر بمراقبة السياسيات على الدوام، وتوقع العقوبات بأية سجينة جنائية تضبط أثناء الحديث إلى سجينة سياسية. وتتمتع النباطشية بسلطات كبيرة داخل العنبر، ولها أن توقع العقوبة بمن تختلف معها أو ترفض أوامرها، بل تكون هي أولى مراحل التأديب قبل ذهاب السجينة إلى رئيس المباحث، فتتعرض للضرب أو التجريد من الملابس أو تقييد الأطراف أو الحبس في حمام العنبر على يد النباطشيات.
ليست معاملة الإدارة والسجانات بأحسن حالًا. فتشتهر موظفة التأديب بالسجن باستخدامها أسلوب الشتم والضرب وتقطيع الملابس والشعر. وتنال السجينات الجنائيات النصيب الأكبر من كل ذلك نظرًا لتعامل الإدارة بحساسية أكبر مع السجينات على خلفيات سياسية. أما العقوبات التي توقعها الإدارة ورئيس المباحث فتتراوح بين ’التشريدة‘ (نقل السجينة خارج عنبرها دون أي من متعلقاتها الشخصية، وإجبارها على قضاء اليوم في الحمام والنوم هناك إلى أن يأذن رئيس المباحث بعودتها إلى غرفتها)؛ و ما يسمى بـ’التجريدة‘(أخذ كافة متعلقات السجينة وحرقها)؛ وهناك أساليب أخرى أقل شيوعًا، حيث لا يتم لاستخدامها مع السجينات السياسيات من قبيل الضرب بـ’الفلكة‘ والمنع من الخبز، وغيرها.
تلجأ الإدارة كذلك إلى الحبس الانفرادي المطوّل كإجراء عقابي. ويعني الحبس الانفرادي وضع السجينة في الزنزانة الانفرادية ومنعها من الخروج سوى ساعة يوميًا لدخول دورة المياه والتريض. ولا يسمح للسجينة في الحبس الانفرادي سوى بطعام التعيين سيء الجودة، ولا يسمح لهنّ بأخذ متعلقاتهنّ الشخصية معهن داخل الزنزانة فيتركنها في الممر المقابل للباب، كما تُمنع الزيارة تمامًا عنهنّ. وتبلغ مدة الحبس الانفرادي التي تقضيها بعض السجينات إلى ما يزيد عن الثلاث سنوات، في مخالفة صريحة للقانون والمعايير الدولية. بل إن سجينة مثل “علا القرضاوي” وضعت في الحبس الانفرادي مباشرة بعد الإيراد دون التوزيع على عنبرها الطبيعي.
في 10 يونيو 2014، شهد سجن القناطر انتهاكات غير مسبوقة حين اقتحمت قوات فض الشغب التابعة لوزارة الداخلية عنبري التحقيق والعسكري وتعدت على مجموعة من المحتجزات السياسيات بالضرب وحرق متعلقاتهن. وكانت الإدارة والسجانات، وموظفة التأديب على وجه الخصوص، أطرافًا مباشرة في تلك الاعتداءات، حيث شاركوا في توقيع التفتيش المهين وتوجيه الاعتداءات الجنسية والإهانات اللفظية إلى السجينات وتفريقهنّ على عنابر الجنائيات وتغريب بعضهنّ إلى سجون أخرى. وقد شكت المحتجزات إدارة السجن في بلاغات رسمية إلى النيابة العامة، إلا أن الأخيرة لم تستكمل التحقيقات في الواقعة.
الرعاية الصحية
لا تقوم إدارة سجن القناطر بالكشف الطبي على النزيلات الجدد بالسجن وتكتفي بتوقيع كشف الحمل عليهن، وتقوم السجانات بالسؤال شفاهة عما إذا كانت السجينة تعاني من أية أمراض، وتدون الإجابات في ملفها. وتثبت الأخبار المتواردة عن السجن، بالإضافة لشهادات من وثقت معهن الجبهة، قصور الرعاية الصحية المقدمة للسجينات، وعدم جاهزية مستشفى السجن للتعامل مع مشكلاتهن الصحية، وضعف إجراءات الوقاية من العدوى بالسجن.
لا توفر إدارة السجن الفوط الصحية مجانًا للنزيلات، بل يحصلن عليها من خلال زيارات أهاليهنّ أو شرائها من الكانتين بضعف ثمنها خارج السجن. وتهمل الإدارة نظافة العنابر، بل تتسبب قواعد الإدارة في عجز الكثير من السجينات على الاعتناء بنظافتهنّ الشخصية. فخلال الأحد عشر يومًا التي تمضيها السجينات في عنبر الإيراد على سبيل المثال، يمنع عليهنّ التريض وتمشيط الشعر، ولا يسمح لهنّ بالاستحمام سوى مرة واحدة طيلة تلك الفترة. أما حال الحوامل والأمهات فهو على العكس تمامًا من الصورة التي تصدرها وزارة الداخلية. فلا يوفر السجن غذاء خاصًا للحوامل وعليهنّ الأكل من طعام التعيين الفاسد كباقي السجينات، كما لا تراعى حالتهنّ أثناء التنقل في سيارات الترحيلات وحتى في التوزيع على العنابر والأسرّة. أما الأمهات الحاضنات فكنّ يحتجزن في عنبر متكدّس بالأمهات والأطفال ينقلون العدوى لبعضهم. وقد قالت إحدى من وثقت معهن الجبهة أنها أجبرت على النوم برضيعتها على الأرض في ظروف سيئة للغاية عانت فيها طفلتها من ارتفاع مستمر في درجة الحرارة.
ورغم ما تنشره وزارة الداخلية والمجلس القومي للمرأة والمجلس القومي لحقوق الإنسان حول جاهزية مستشفى سجن القناطر للتعامل مع المرضى في كل التخصصات وتواجد كافة الأدوية المطلوبة والمعدات عالية المستوى، إلا أن من وثّقت معهنّ الجبهة المصرية أكدن تواجد طبيب واحد فقط متخصص في أمراض النساء يجري الكشف على كل التخصصات، وعلى من تحتاج استشارة طبية في تخصص آخر انتظار الزيارة الأسبوعية من الطبيب المتخصص. وتغيب تمامًا بعض التخصصات كالعلاج الطبيعي والطب النفسي والمخ والأعصاب من المستشفى. وغالبًا تقتصر العلاجات التي تُصرف للنزيلات على المسكنات، وقد تعرّضت أكثر من نزيلة لمضاعفات صحية نتيجة تلقي العلاج الخاطئ بمستشفى السجن، ووثقت منظمات حقوقية عدة وفاة المحتجزة السيناوية مريم سالم على إثر الإهمال الطبي الجسيم على مدار عام كامل وتزوير تقاريرها الطبية الخاصة بتحليل وظائف الكبد من قبل مستشفى السجن.
بخلاف عدم جاهزية المستشفى، يتضح من الشهادات والأخبار الواردة على لسان محامي بعض النزيلات – خاصة مع بداية انتشار فيروس كورونا في 2020 – غياب سياسة منهجية للوقاية من العدوى. فيرد بشهادات المحتجزات سابقًا عدم الفصل في عنبر المرضى بين ذوات الأمراض المعدية وغير المعدية. كما تذكر السجينات ضعف التعقيم بالمستشفى ذاتها، فأبواب غرفة العزل وغرفة العمليات مفتوحة دائمًا، ويسمح للسجينات في غرفة العزل بالتجول خارجها دون إجراءات وقائية. وذكرت إحدى المحتجزات سابقًا انتقال عدوى فيروس B و C عن طريق عيادة الأسنان. وفي يناير 2020 أبلغت بعض النزيلات محاميهنّ بامتناعهنّ عن العرض على مستشفى السجن بسبب حجز عدد من المصابات بمرض الإيدز بالمستشفى. كما أبدت السجينات وذووهنّ تخوفاتهم من انتشار أعراض وباء كورونا بين عدد من نزيلات السجن، إلا أن ذلك لم يلق صدى لدى إدارة السجن التي لم تقدم على أية إجراءات من شأنها طمأنة السجينات على صحتهن.
الزيارات والمراسلات والاتصال بالعالم خارج السجن
تخالف إدارة سجن القناطر بعض المواد المنظمة للزيارة بلائحة السجون من حيث مدة الزيارة والمنع منها. فتقصر مدة الزيارة على بعض السجينات (خاصة ممن دخلن السجن في 2019) دون المدة المنصوص عليها في اللائحة (ساعة)، فتسمح بالزيارة لعشر دقائق فقط. وعلى الرغم من نص اللائحة على أن مدة المنع العقابي من الزيارة لا تزيد عن مرتين في الشهر (مادة 81)، توجد بالسجن من هنّ ممنوعات من الزيارة لفترات تتراوح بين السنة والثلاث سنوات. كذلك تتعرض السجينات للتمييز في تفتيش الزيارة والمواد وكميات الأطعمة والمنظفات التي يُسمح بدخولها حسب خلفية السجينة (سياسية أم جنائية)، فتكون الإدارة أكثر تساهلًا في التفتيش وإدخال المأكولات مع الجنائيات، بينما يضطر أهالي السياسيات إلى دفع رشاوى للمشرفين على التفتيش حتى لا يتعنتوا معهم. وتكلف الإدارة بعض السجانات بمراقبة حديث السجينات مع أهلهن، ما يفقدهن الخصوصية ويحول دون مناقشتهن لتطورات قضاياهن خارج السجن.
تمثّل الزيارة عبئا ماديًا وبدنيًا على الكثير من أهالي السجينات بسبب رداءة الخدمات بالسجن وعدم توفير الإدارة للخدمات الأساسية مجانًا. فأهالي المحتجزات اللاتي يعتمدن على الزيارة للحصول على الطعام والمياه، يضطرون لإعداد كميات كبيرة من الطعام، والانتقال بمستلزمات الزيارة لمسافات طويلة حتى الوصول إلى السجن.
لا تتمتع السجينات في القناطر بحرية المراسلة كما تنظمها المادة 38 بقانون تنظيم السجون، فتتعنت الإدارة مع البعض – خصوصًا مع المحتجزات على ذمة قضايا سياسية – إما بالمنع من المراسلة لفترات طويلة (وكثيرًا ما يصاحب ذلك منع من الزيارة)، أو بالرقابة الصارمة على الرسائل. ويمنع ذلك المحتجزات من التحدث بحرية عن تفاصيل القضايا وما يتعرضن له داخل السجن، ويضطرهن لرشوة السجانات لتمرير الرسائل.
الحق في التعليم
تُقام بسجن القناطر للنساء لجان لامتحانات الثانوية العامة، لكن لا يضمن ذلك لكل المحتجزات حق مواصلة التعليم، حيث أن ظروف الاحتجاز السيئة مثل التكدس وانتشار الحشرات والثعابين تحول دون تمكن السجينات من الدراسة، وقد تُمنعن من قبل الإدارة من أداء الامتحانات.
إضرابات
في الفترة ما بين يونيو 2014 حتى يناير 2020، شهد سجن القناطر للنساء ما لا يقل عن ستة زيارات رسمية من المجلس القومي لحقوق الإنسان والمجلس القومي للمرأة ومؤسسات إعلامية مختلفة، أشادت فيها تلك المؤسسات جميعًا بالأوضاع داخل السجن وصوّرت حالات الإهمال الطبي وسوء المعاملة وتردي أوضاع الاحتجاز كحالات فردية استثنائية. لكن في الفترة ذاتها، وثقت الجبهة المصرية دخول ما يزيد عن ثلاثين محتجزة بسجن القناطر –بعضهن منفردات– في إضرابات عن الطعام احتجاجًا على تردي أوضاع الاحتجاز وسوء المعاملة والمنع من الزيارة والإهمال الطبي، كان أبرزها إضرابان جماعيان في يونيو 2014 في أعقاب اقتحام قوات فض الشغب للسجن والاعتداء على بعض المحتجزات، وفي ديسمبر 2019 عقب وفاة المحتجزة مريم سالم.