حقوقيون عن لائحة «العمل الأهلي»: تكرس لسيطرة الأمن على قيد الجمعيات عن طريق «الوحدة».. ومساعد وزيرة التضامن: الأمن ليس له علاقة بعملنا ونختار موظفين من جميع أجهزة الدولة
اتحاد عمال مصر يُطالب بـ «لجنة تقصي حقائق» حول أسباب تصفية «الحديد والصلب» وتقديم المسؤولين عن الخسائر إلى النيابة
بعد تأخر إصدارها أكثر من عشرة أشهر، نشرت الجريدة الرسمية، أمس الأول، الخميس، قرار رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون العمل الأهلي، متضمنًا بدء العمل بنصوصها بداية من 12 يناير الجاري، وإلزام كافة الجمعيات والمنظمات والشركات التي تمارس العمل الأهلي بتوفيق أوضاعها وإكمال أوراق قيدها بوزارة التضامن الاجتماعي قبل موعد غايته 12 يناير 2022.
اللائحة الجديدة أثارت ردود فعل متباينة، فقال ناصر أمين رئيس المركز العربي لاستقلال القضاة والمحاماة لـ«مدى مصر» إن موادها تعيد إنتاج سيطرة الأجهزة الأمنية على إجراءات قيد الجمعيات والإشراف على عملها وأنشطتها، وأنها بمثابة شباك لاصطياد المدافعين عن حقوق الإنسان والعمل الأهلي وايقاعهم في نطاق المخالفة، فيما اعتبر نجاد البرعي رئيس المجموعة المتحدة للاستشارات القانونية، أن اللائحة جاءت على خطى القانون لتدعم العمل الخيري وتعرقل ما دونه من عمل أهلي، مشددًا على أن العبرة ليست بمواد اللائحة وإنما بطريقة تنفيذها.
وفي مقابل الرأيين السابقين؛ أشار المحامي الحقوقي أحمد راغب، إلى تضمن اللائحة بنودًا جديدة لم يتضمنها القانون، بعضها إيجابي، مثل المادة الخاصة بالتمويل الأجنبي، وبعضها غير قابل للتطبيق على أرض الواقع.
وتضمنت اللائحة التنفيذية 188 مادة، وحددت المادة الأولى منها طريقين لتوفيق الأوضاع، الأول، يخص الجمعيات والمنظمات المقيدة بوزارة التضامن الاجتماعي في الوقت الحالي، وعليها أن تتقدم بنفسها مباشرة بتقديم الأوراق المطلوبة لتوفيق الأوضاع للجهة المختصة بالوزارة.
أما الطريق الآخر، فيخص الكيانات غير المقيدة التي تمارس العمل الأهلي (شركات المحاماة والاستشارات القانونية وعيادات تأهيل الضحايا.. إلخ)، ولم تترك اللائحة لتلك المؤسسات حرية التقدم لتوفيق الأوضاع من عدمه، وإنما أوكلت لما يعرف بـ«الوحدة الفرعية» أن تقوم أولًا بإخطار الشركة أو المنظمة التي عليها توفيق أوضاعها، قبل أن تقدم تلك الشركة أو المنظمة على التقدم بالورق المطلوب منها لتلك الوحدة.
ولتنفيذ تلك المهمة، منحت اللائحة لتلك «الوحدة»، في المادة الخامسة منها، سلطة مخاطبة جميع جهات الدولة للاستعلام عن الكيانات المرخصة لديها وتمارس عملًا أهليًا، لتخاطب الوحدة في ضوء ما يصلها من بيانات تلك الكيانات وتطالبها بتوفيق أوضاعها كجمعية أهلية خاضعة لقانون العمل الأهلي، وإذا لم توفق تلك الكيانات أوضاعها تلزم اللائحة الجهة الحكومية مصدرة الترخيص بإلغائه أو تطالب محكمة القضاء الإداري بحله.
وهو ما فسره المحامي أحمد راغب لـ«مدى مصر» بأنه في ضوء اللائحة من المفترض أن تطالب «الوحدة» الهيئة العامة للاستثمار مثلًا بتحديد شركات المحاماة أو الاستشارات المقيدة لديها والتي تمارس عملًا أهليًا، لافتًا إلى أن تنفيذ هذا الأمر على أرض الواقع يفترض أن تكون جهات الدولة سواء الهيئة أو غيرها على علم بمن يمارس العمل الأهلي ومن لا يمارسه وهو أمر غير متصور.
سلطة تلك «الوحدة» كانت محل انتقاد أيضًا من المحامي ناصر أمين لـ«مدى مصر»، موضحًا أن اللائحة استحدثت ما يعرف بـ«الوحدة» ككيان داخل وزارة التضامن الاجتماعي، وأوكلت لتلك الوحدة كافة مهام قيد وتسجيل والإشراف ومراقبة عمل المؤسسات الأهلية، وأحاطت تشكيل «الوحدة» والجهات التي سيتم ندب وإعارة موظفين منها إليها بالغموض.
وشدد رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، أن تلك المادة هي بمثابة إعادة إنتاج لسيطرة الأجهزة الأمنية على العمل الأهلي وتشكيل كيان يضم أجهزة أمنية داخل وزارة التضامن الاجتماعي كما كان منصوصًا عليه في قانون العمل الأهلي الصادر عام 2017.
وتضمن قانون العمل الأهلي الذي صدر في مايو 2017، ولم يدخل حيز التنفيذ، بسبب استجابة الرئيس السيسي لاعتراضات محلية ودولية على عدد من نصوصه،النص على تشكيل جهاز قومي، يسمى (الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية)، يضم ممثلين لوزارات الدفاع والداخلية والمخابرات العامة وغيرها من الأجهزة الأمنية للإشراف على أنشطة الجمعيات الأهلية المحلية والأجنبية وكل ما يخص التمويل. وتبع تلك الاعتراضات مطالبة السيسي للبرلمان بتشكيله السابق بتعديل مشروع القانون في نوفمبر 2018، و إصدار القانون الحالي في أغسطس 2019.
وفي مقابل هذا التخوف، قال مساعد وزيرة التضامن لشؤون مؤسسات المجتمع المدني، أيمن عبدالموجود في حديثه لـ«مدى مصر» إن تلك الوحدة هي كيان تابع لوزارة التضامن، وليس لها أي علاقة بالأجهزة الأمنية، مضيفًا أن الوزيرة ستعين رئيسًا للوحدة المركزية، لها خلال الأيام المقبلة، وبعدها سيتم اختيار الموظفين الذين سيعملون بها في القاهرة وباقي المحافظات من العاملين بالإدارة المركزية للجمعيات ومديريات التضامن بالمحافظات وإلى جانبهم موظفين آخرين سيتم اختيارهم على أساس الكفاءة من عدد من أجهزة الدولة لسد العجز الوظيفي.
ولفت مساعد وزيرة التضامن إلى أن الهدف من استحداث الوحدة المركزية للجمعيات بدلًا من الإدارة المركزية للجمعيات هو تلافي تضارب الاختصاصات، الذي كان حادثًا بين صلاحيات الوزارة ومديريات التضامن التابعة للمحافظات، مشيرًا إلى منحها كافة الصلاحيات المتعلقة بالعمل الأهلي.
وبموجب قانون الجمعيات تختص «الوحدة» بالإشراف والرقابة على الجمعيات والاتحادات والمؤسسات الأهلية المحلية، والمنظمات الأجنبية.
وإلى جانب عدم وضوح تشكيل الوحدة التي ستتولى كافة مهام الأشراف على العمل الأهلي، لفت ناصر أمين إلى أن اللائحة ربطت شروط قيد الجمعية الأهلية بضرورة استكمال الأوراق، و«الوحدة» هي المسؤولة عن هذا الإجراء، ومن ثم فقد تتعسف بحجة عدم استيفاء الأوراق، وهو ما يعد تحايلًا صريحًا بحسب أمين على النص الدستوري بأن تأسيس الجمعيات يكون بالإخطار، وتأكيدًا على أنه بالتصريح.
وإلى جانب تلك الاعتراضات، قال المحامي أحمد راغب، إن اللائحة تضمنت موادًا غامضة وفي حاجة إلى إعادة المراجعة، ضاربًا المثل بالمادة 29 التي تحظر على الجمعية الإعلان عن أو ممارسة أي نشاط وارد في «نظامها الأساسي» قبل الحصول على ترخيص من الجهة المعنية بإصداره، مفسرًا بأن اللائحة نفسها لم تحدد ما إذا كان هناك أنشطة معينة تتطلب الحصول على ترخيص معين قبل ممارستها.
وأضاف راغب أن اللائحة تضمنت أيضًا مودًا جيدة، مثل المادة 42 المتعلقة بالتمويل الأجنبي، مفسرًا بأن تلك المادة عالجت التناقض الذي تضمنه القانون، حيث أجازت اللائحة للجمعية الأهلية أن تقبل الأموال أو المنح أو الهبات من الجهات محلية أو أجنبية وتودعها في حسابها البنكي، وتخطر الوحدة بتلقي تلك الأموال خلال شهرًا من تلقيها، في الوقت الذي حظر القانون في المادة 15 منه، إبرام اتفاق بأي صيغة كانت مع جهة أجنبية داخل أو خارج البلاد قبل موافقة الجهة الإدارية وكذلك أي تعديل يطرأ عليه.
المحامي نجاد البرعي من جانبه، قال لـ«مدى مصر» إن فلسفة اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات شأنها شأن كل القوانين التي أصدرتها البلاد لتنظيم العمل الأهلي تدعم وتشجع عمل رجال الأعمال والقادرين ماديًا على ممارسة العمل الخيري في الأساس، فاللائحة تشترط أن يكون لكل جمعية مقر له مدخل منفصل، وتتشدد في عدم تقاضي العاملين في العمل الأهلي رواتب، بما يعرقل ممارسة الشريحة المتوسطة والدنيا من الطبقة الوسطى العمل الأهلي.
غير أنه أكد أنه في النهاية أنه سواء كانت غالبية مواد اللائحة جيدة أو متشددة فالعبرة تظل في كيفية تنفيذها من قبل السلطة.
وكان مجلس الوزراء قد أعلن في 26 نوفمبر الماضي عن إقرار اللائحة التنفيذية لقانون «تنظيم العمل الأهلي»، بعد أيام من هجمة أمنية استهدفت ثلاثة من قيادات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بداية من 15 نوفمبر الماضي، بررتها وزارة الخارجية وقتها بأن «المبادرة» مسجلة كشركة «وتمارس أنشطة أخرى بالمخالفة لما يقضي به قانون العمل الأهلي من خضوع نشاطها لولايته»، ورغم ذلك لم تنشر بنود اللائحة سوى الخميس الماضي.
اتحاد عمال مصر يُطالب بـ «لجنة تقصي حقائق» حول أسباب تصفية «الحديد والصلب» وتقديم المسؤولين عن الخسائر إلى النيابة
طالب اتحاد عمال مصر، اليوم، السبت، بتشكيل لجنة تقصي حقائق لمعرفة كيف تغير الموقف من قبل الجهات المسؤولة من تبني خطط تطوير شركة الحديد والصلب، ثم التراجع عن ذلك للوصول إلى قرار تصفية الشركة، كما طالب الاتحاد بتقديم كل المشاركين في تحقيق الشركة للخسائر، إلى النيابة العامة للتحقيق معهم.
وأكد مجدي البدوي، نائب رئيس اتحاد عمال مصر،خلال اجتماع للاتحاد اليوم، على رفض الاتحاد لقرار التصفية، معتبرًا اياه انتحارًا اقتصاديًا، بالنظر إلى كون الشركة هي الوحيدة على مستوى الجمهورية التي تصنع الحديد بكامل مراحل تصنيعه (تعتمد الشركة على تكنولوجيا التصنيع تستخلص الحديد من خاماته الأولية) فيما كل الشركات تستورد منتجات حديد، ما سيدفع باللجوء إلى الاستيراد في حال تم الاستغناء عن الشركة.
وقال رئيس النقابة العامة للصناعات المعدنية والهندسية، خالد الفقي لـ «مدى مصر» إن لجنة تقصي الحقائق تستهدف تقديم معلومات حقيقية عن عمل الشركة، بخلاف تلك المُضللة التي قُدمت للقيادة السياسية ودفعت بالموافقة على قرار التصفية.
وأضاف الفقي أنه من المنتظر الخروج بقرارات لحل أزمة الحديد والصلب بعد الإجتماع الطارئ العام المقرر إجراؤه الثلاثاء القادم بين النقابة العامة واتحاد العمال ومجلس إدارة الشركة لاستعراض خطة النقابة العامة للصناعات المعدنية والهندسية للخروج بروشتة إصلاح وللمطالبة بوقف قرار تصفية الشركة.
يُشار إلى أن الجمعية العامة غير العادية للشركة قد قررت، الإثنين الماضي، تصفية شركة الحديد والصلب، وذلك بدعوى تسجيل خسائر بلغت نهاية العام المالي المنصرم أكثر من 8 مليارات جنيه.