مجددا.. فيديوهات تظهر إعدامات خارج اطار القانون في سيناء بواسطة الجيش ومعاونيه
لندن - مؤسسة سيناء لحقوق الانسان - 20 أغسطس 2022 – قالت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان اليوم أن مقاطع فيديو وصور أظهرت أن مُسلّحين من المجموعات القبلية المُقاتلة الموالية لقوات الجيش المصرية في شمال سيناء قد قاموا بثلاث من عمليات القتل الغير مشروع خارج نطاق القانون، جرت بشكل منفصل في مناطق مختلفة في المحافظة، وكلها وقعت على الأرجح في عام 2022، أثناء عمليات القتال والتمشيط الجارية ضد آخر معاقل متبقية لمقاتلي تنظيم "ولاية سيناء" التابع لداعش. خطرا لحظيا لا يمكن تفاديه على القوات الحكومية أو المجموعات القبلية المسلحة الموالية لها أو آخرين، بل كان بينهم اثنان مقيدان والثالث مصاب وفي درجة مضطربة من الوعي، وبالتالي تشكل عمليات قتلهم إعدامات خارج إطار القانون وانتهاكا خطيرا لقواعد القانون الدولي الإنساني يرقى إلى جرائم الحرب، وبشكل يشبه عمليات قتل أخرى مماثلة وثقتها منظمات دولية ومحلية في شمال سيناء في السنوات الماضية.
قال أحمد سالم، المدير التنفيذي لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان:
إن السهولة التي يُقدم بها أفراد المجموعات القبلية المسلحة ورجال الجيش المصري في شمال سيناء على إعدام من وقع في الأسر والمصابين خارج نطاق القانون بطريقة وحشية تبين أنهم لا يخشون أية رقابة أو محاسبة على أفعالهم. تحت مسمى مكافحة الإرهاب ترتكب القوات الحكومية والميليشيات المعاونة لها عينّة من نفس الجرائم التي من المفترض أنها تكافحها.
تُظهر مقاطع الفيديو، والتي ظهرت بين بداية يوليو ومنتصف أغسطس الجاري، وقامت المؤسسة بتحليلها والتوثق منها، عمليات إطلاق النار - على الأرجح بواسطة رجال القبائل المسلحين - من مسافة قريبة على فردين أعزلين، أحدهما صغير السن ومن المرّجح أن يكون طفلا، ومصرعهما على الفور. لم تُعرف هوية الاثنين على الفور، لكن ذلك الذي يبدو طفلاً يُدعى أنس من قبيلة "التياها"، ويظهر في المقطع المصور بيد مبتورة جراء ما يبدو إنها إصابة ناجمة عن متفجرات. أما الرجل الآخر فكان في ثوب أبيض ويداه مقيدتان خلف ظهره. من الواضح إن عمليات إطلاق النار على الرجل والطفل وقتلهما وقعت بعد أن ألقت قوات القبائل القبض عليهما - على ما يبدو - أثناء عمليات التمشيط والمداهمة لمناطق نفوذ وعمليات تنظيم "ولاية سيناء" في شمال سيناء.
في مقطع فيديو ثالث منفصل حصلت عليه المؤسسة تظهر قوات القبائل وهي تناقش أحد منتسبي تنظيم الدولة، يُدعى "أبو طارق"، وهو مقيد اليدين بعد إلقاء القبض عليه، بينما تظهر صور أخرى نفس الرجل بذات الملابس بعد أن تم قتله.
قالت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان إنه يتعين على السلطات المصرية بموجب القوانين المحلية والدولية، أن تفتح تحقيقا فوريا، مستقلا وشفافا، في وقائع القتل تلك وكافة حوادث القتل خارج القانون السابقة، وتقدم مرتكبيها إلى محاكمات عادلة. كما على السلطات أن ترسل أوامر وتعليمات واضحة لا لبس فيها لكافة المجموعات القبلية التي أشرف الجيش المصري على تسليحها وانخراطها في القتال الدائر في الأشهر الأخيرة إن العمل المسلح ينبغي أن يجري وفقا للقانون وأن الانتهاكات غير مقبولة وأن مرتكبي الانتهاكات سيتعرضون للمحاسبة. يتحتم أن يتم تسليم كافة من يتم القبض عليهم من الرجال والنساء والأطفال المنتسبين لداعش أو المشتبه في صلاتهم بالتنظيم إلى سلطات القضاء للتصرف بشأنهم بموجب القانون.
تحظر المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف المُؤسسة للقانون الدولي الإنساني أو ما يعرف بقوانين الحرب "الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله" للمدنيين وكذلك كل من ألقى سلاحه من المحاربين وكذلك الأشخاص العاجزين عن القتال والمصابين ومن وقع من المحاربين في الأسر أو الاعتقال. وتدرج كل من اتفاقيات جنيف الأربع "القتل العمد" للأشخاص المحميين كانتهاك جسيم. وفي هذا الإطار يصنّف القتل كجريمة حرب وفقا لميثاق المحكمة الجنائية الدولية وكذلك وفقا لتعريف العديد من محاكم الحرب السابقة مثل محكمة الجنائية الدولية المعنية بيوغسلافيا السابقة. كما يحظر الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب "الحرمان التعسفي من الحق في الحياة"، والحق في الحياة هو حق أصيل ولصيق بالصفة البشرية لا يمكن الانتقاص منه أو تقويضه حتى في أوقات الحرب أو مكافحة الإرهاب.
ترفض السلطات المصرية الاعتراف بشكل واضح بأن العمليات العسكرية التي احتدمت ضد مسلحي تنظيم داعش في شمال سيناء منذ نهاية إنها ترقى إلى حالة الحرب أو النزاع المسلح غير الدولي وبالتالي تنظمها وتنطبق عليها قواعد القانون الدولي الإنساني. لكن حتى وفي حالة إن الوضع في سيناء ليس نزاعا مسلحا فإن القانون الدولي لحقوق الإنسان ينص على الحق في الحياة وبشكل أكثر صرامة، وفي تلك الحالة تعد وقائع القتل الغير مشروعة تلك من قبيل الإعدامات خارج نطاق القضاء ويمكن أن تمثل في حالة كونها منهجية وواسعة الانتشار كجزء من سياسة دولة جرائم ضد الإنسانية. وقد أوعزت دراسة قانونية مدعومة رسمية في 2018 بأن المنتسبين لتنظيم داعش لا يتمتعون بأي حماية قانونية وأن القوات الحكومية المصرية - بالتالي - في حلٍ من القواعد والقوانين المنظمة للنزاع المسلح وعمليات مكافحة الإرهاب.
لا يؤسس قانون القضاء العسكري المصري (قانون 25 لسنة 1966)، وهو القانون المنظم لعمليات التعبئة العسكرية والجرائم في نطاق العمليات العسكرية وحالة الحرب، لحقوق هؤلاء الذين يقعون في الأسر بشكل واضح وملائم لاتفاقيات جنيف. لكن المادة 4 منه تقول بوضوح إنه ينطبق على أسرى الحرب. كما تعرف المادة 85 "خدمة الميدان" بأنها تنطبق على "أفراد قوة ما أو ملحق(ين) بها في وقت تكون فيه تلك القوة في عمليات حربية ضد عدو داخل البلاد أو خارجها." وأنه "يعتبر في حكم العدو، العصاة والعصابات المسلحة." وتنص المادة 137 منه على أنه "يعاقب بالسجن أو بجزاء أقل منه منصوص عليه في هذا القانون، كل من أوقع بعسكري جريح أو مريض لا يقوى على الدفاع عن نفسه عملاً من أعمال العنف."
قال سالم:
تمثل لقطات إعدام أشخاص معتقلين ومقيدين لا يشكلون تهديًدا للحياة، لمحة عن الجرائم المروعة التي ارتكبتها قوات الجيش والميلشيات المعاونة لها في شمال سيناء، ورغم التعتيم الإعلامي الكبير فإن النذر اليسير الذي تم توثيقه من الانتهاكات في سيناء في السنوات الماضية يعطينا انطباعا بالغياب الكامل للقانون وسيادة التوحش".
وفيما يلي تفصيل وتحليل تلك المقاطع والصور:
رصد باحثو مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان شر كافة فيديوهات القتل والصور تلك على حسابات وصفحات التواصل الاجتماعي التي تعبر بشكل رسمي على المجموعات القبلية الموالية للجيش في شمال سيناء، أو على صفحات لعناصر تنتمي للمجموعات القبلية المسلحة أو صفحات مؤيدة لهم وللجيش، وذلك في سياق قيام تلك الصفحات بنشر أخبار والافتخار بالاشتراك في العمليات المسلحة الجارية، ومن بين ذلك الاحتفاء والتفاخر بعمليات الإعدام الغير مشروعة. كما سبق لنفس تلك الصفحات الافتخار بانتهاكات أخرى، من بينها نشر العديد من الصور لتجنيد ومصرع ومشاركة أطفال مسلحين في عمليات القتال لمساندة الجيش. كما حصلت المؤسسة على واحد من تلك المقاطع (الخاص بقتل الطفل)، وكذلك صورة أحد القتلى، بشكل حصري من مصدر داخل المجموعات القبلية.
الواقعة الأولى: إعدام شخص مسن ينتمي لتنظيم الدولة بعد إلقاء القبض عليه حيا.
يُظهر تسلسل فيديو وثلاثة صور إعدام شخص ويُدعى "أبو طارق"، تم اعتقاله حيا على الأرجح في منطقة صحراوية جنوب بئر العبد وفقا لمقابلة أجريناها مع مصدر خاص ينتمي لأحد المجموعات القبلية العاملة بالمنطقة غربي سيناء، تتفق المعلومات التي حصلنا عليها من المصدر مع طبيعة التربة والكثبان الرملية وكذلك الغطاء النباتي الظاهر في المواد المصورة حيث يظهر نبات العادر أو العاذر الذي يسود في مناطق بئر العبد وهو اسم محلي لنبات عشبي ينمو بصورة برية ويعرف علميا باسم: Artemisia monosperma . كما تظهر حالة النبات في صورة شبه جافة وهو يتوافق مع تاريخ نشر الفيديو حيث يكون يبدأ العادر في الجفاف خلال شهري يونيو ويوليو خلال دورته الموسمية.
البداية كانت من فيديو نشره الحساب الرسمي لـ اتحاد قبائل سيناء بتاريخ 2 يوليو 2022، وهو المنبر الأعلامي لأحد أبرز المجموعات القبلية المسلحة الموالية للجيش، ينتمي معظم عناصره لقبيلة الترابين، (تم حذف الفيديو بعد مرور ساعة تقريبا على نشره). أظهر الفيديو حوارا دار بين من قالت الصفحة أنه "أبو طارق" ويظهر كرجل ذو لحية كثة ويبدو مسناً من تنظيم الدولة مقيد اليدين خلف الظهر ويرتدي "فانلة" لونها أزرق فاتح، ويتحدث مع عدد من عناصر المجموعات القبلية المسلحة الموالية للجيش، بينما هو مقيد داخل مركبة عسكرية. تعرفت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان بواسطة أحد الخبراء على أن تلك المركبة هي من طراز "نمر".
يُظهر المقطع ومدته 45 ثانية الرجل وهو يتحدث في تلك الوضعية عما أسماه "معركة الحق والباطل" وذلك دون توتر ظاهر، بينما ما لا يقل عن 7 رجال من عناصر المجموعات القبلية المسلحة الموالية للجيش أو الجيش، بينهم شخص يرتدي الواقي الصدري من الرصاص، وعلى الأقل 3 يرتدون خوذ المميزة لعساكر الجيش، يقفون خارج المركبة وبعضهم يحملون تليفوناتهم المحمولة لتصوير الحوار بينما يتهكم البعض على حديث الرجل المقيد.
بينما تُظهر صورة أخرى حصلت المؤسسة عليها من مصادر خاصة لنفس الرجل قبل إعدامه وهو مستلقٍ على جانبه في منطقة رملية، بالقرب من شجرة صغيرة، وتبدو عليه آثار الإعياء.
وبعد نحو 3 ساعات من نشر الفيديو قامت صفحة إتحاد بئر العبد الرسمية على فيس بوك، وهي صفحة تعبر رسميا عن واحدة من المجموعات القبلية المسلحة الموالية للجيش بمنطقة بئرالعبد وتضم مسلحين من قبائل الدواغرة و البياضية و الاخارسة المقيمين بمنطقة مركز بئرالعبد، بنشر صورة لنفس الشخص الذي كان يتحدث بالفيديو، وهو ميت، إذ تُظهر الصورة الشخص ممدٌ على ظهره في منطقة رملية والدماء قد لطخت صدره وملابسه ووجه وعينه، ويرقد بالقرب مما يبدو أنها نفس الأعشاب في الصورة الأولى، وهو مرتدٍ نفس "الفانلة" التي كان يرتديها في الفيديو.
بعدها نشر صفحة فيس بوك تسمى شؤون القبائل الرسمية وهي مجموعة أخرى من مسلحي القبائل الموالين للجيش تعمل تحت إشراف مكتب شئون القبائل التابع للمخابرات الحربية، مايبدو أنها نفس الصورة للرجل وهو ملطخ بدمائه وفارقته الروح.
وفي كلتا الحالتين نشرت الصفحتان صورة القتيل وعليها "لوجو" خاص بالمجموعة في كل حالة، مما يعني أن الصفحتين المعبرتين عن المجموعتين المختلفتين كان لديهما القدرة على الحصول على الصورة الأصلية من مصدرها.
بحسب خبير في شؤون العسكرية المصرية تحدث للمؤسسة فإن دولة الإمارات العربية المتحدة هي المورِّد الأساسي للسيارات العسكرية من نوع نمر إلى مصر. وتقوم الإمارات بتصنيعها بالتعاون مع الشركة التشيكية VOP CZ.
الواقعة الثانية: إعدام خارج القانون لطفل جريح مبتور اليد.
قامت صفحة فيس بوك تدعى "المريح أنيوز" مؤيدة للجيش وتنشر أخبارا عن عمليات القبائل في سيناء (ويبدو أنها تنتسب لقرية في بئر العبد بنفس الاسم: المريح) بتاريخ 17 أغسطس 2022، الساعة 1:33 ظهرا، بنشر مقطع فيديو مدته 18 ثانية وصفته بأنه "تصفية أحد العناصر التكفيرية، وذلك دون توضيح المكان أو تاريخ التصوير. حصلت مؤسسة سيناء من خلال مصدر خاص في أحد المجموعات القبلية المسلحة على نسخة واضحة من ذات الفيديو بدون المؤثرات الصوتية المُضافة على الصفحة، كما قال ذات المصدر للمؤسسة أن هذا المقطع جرى تداوله بتاريخ 16 أغسطس عبر مجموعة واتساب خاصة بعناصر إحدى المجموعات القبلية المسلحة الموالية للجيش والتي يتشارك فيها هؤلاء المسلحون أخبارا ومقاطع عن عملياتهم على سبيل مشاركة "الإنجازات." كما قال المصدر أن واقعة قتل الطفل قد وقعت بمنطقة المغارة التابعة لمدينة الحسنة وسط سيناء، ويتوافق ما ذكره المصدر مع طبوغرافيا مكان الواقعة الظاهرة في الفيديو. حيث يظهر الطفل ممدا على أرض ذات طبيعة صخرية بينما يظهر في الخلف ما يبدو وكأنه كهف صغير أو شق صخري وهذه الطبوغرافيا تتميز بها منطقة المغارة ومناطق وسط سيناء بشكل عام ولا يوجد ما يشبهها في مدن رفح، الشيخ زويد والعريش وبئر العبد المنبسطة بشكل عام.
يُظهر المقطع المصور أن الطفل ملقى على الأرض وهو مصاب على ما يبدو نتيجة انفجار أدى الى بتر احدى يديه من فوق الكوع، ويبدو في حالة إعياء شديد، مضطرب الوعي، وملابسه ملطخة بالدماء، في المقطع المصور يصوب رجل لا يظهر وجهه في الفيديو سلاحا آليا ناحية الطفل بينما يلقي عليه الأسئلة. أجاب الطفل على سؤال المسلح عن اسمه وقال أنه أنس، وأنه ينتمي لقبيلة "التياها". بعد ذلك يطلق الرجل المسلح النار على رأس الطفل من مسافة شديدة القرب، حيث تظهر فوهة السلاح على بعد لا يزيد عن 30 سنتيمتر.
يتحدث الرجل المسلح في الفيديو بلهجة مصرية غير بدوية، كما يُظهر الفيديو أصوات رجال آخرين حول المسلح وهم ينادونه بلقب "باشا"، وكل ذلك يرجّح كونه ضابطا في الجيش. وفي نهاية الفيديو يظهر بشكل سريع أن الرجل يرتدي بنطالا وحذاءا عسكريا.
قبل إطلاق النار مباشرة يتحدث أحد مرافقي الرجل: "يلا يا باشا يلا." وبعد مقتل الطفل يأمر الرجل مرافقيه: "اخلي فوراً"، ثم ينادي "السلاح، السلاح، السلاح!" ثم يكرر نفس الصوت الذي قال "يلا يا باشا يلا" الأمر بضرورة مصادرة السلاح الذي كان ربما في مكان الحادث حوزة الطفل.
الواقعة الثالثة: إعدام رجل مقيد في منطقة صحراوية
قامت نفس الصفحة على فيس بوك، "المريح أنيوز"، بتاريخ 19 أغسطس الجاري، في 9:54 صباحا، بنشر مقطع مصور بعنوان "النصر قريبا ان شاء الله" دون توضيح المكان أو تاريخ الواقعة. المقطع المصور يوضح قيام شخص مقيد اليدين خلف الظهر، في ثوب أبيض وبنطال غامق اللون بني أو رمادي، يطلب الرحمة من آخرين حوله لا تظهر وجوههم أو أجسامهم في الفيديو، وكان يخاطبهم بلهجة سيناوية "يا شباب ارحموني برحمتكم. يارحيم ارحمني. لا لا.." يأمره أحد "بُص الناحية التانية" (انظر للجهة الأخرى) قبل أن يتم إطلاق النار عليه بكثافة من المحيطين به. بعدها يتمدد جسد الرجل المقيد على الأرض على بطنه في وضع غير طبيعي، بعد أن كان في وضع الجلوس، وتظهر إحدى قدميه تتحرك بشكل يبدو لا إراديا، وساعتها يظهر صوت في الفيديو يقول: "لسه مخلصش، لسه مخلصش" (أي: لم يمتْ بعد)، وعلى إثرها يتم إطلاق النار على الرجل الممدد مجددا، ويظهر صوت شخص يقول: "فك إيده".
وفي الواقعتين، واقعة الطفل وواقعة الشاب ذي الجلباب الأبيض، نشرت صفحة أخرى تدعى "شيبانة اليوم" نفس المقطعين المصورين ضمن مقطع فيديو طويل تضمن صورا ومقاطع لعمليات عسكرية شاركت فيها مجموعات قبلية مع قوات الجيش، وذلك بتاريخ 19 أغسطس، قبل أن تقوم بحذف المقطع كاملا في نفس اليوم أو بعدها بيوم. (لينك الفيديو المحذوف)
تمكن باحثو المؤسسة كذلك من خلال رصد وتحليل عدد من الصور المنشورة على صفحات تابعة للقبائل ومؤيدة للجيش، من الوصول إلى مقطع فيديو آخر نشره حساب شخصي لأحد عناصر المجموعات القبلية المسلحة بتاريخ 12 يوليو 2022 والذي يظهر لحظة استسلام رجلين داخل منزل في شمال سيناء أثناء مداهمة يظهر فيها مسلحو القبائل وجنود من الجيش، ويبدو أن المسلحين القبليين ينتمون لقبيلة الرميلات وأن المداهمة جرت في مناطق غرب رفح. يظهر من المقاطع المصورة إن أحد الرجلين هو نفسه الرجل الذي قتل في الفيديو المنشور لاحقا، حيث يحمل نفس ملامح الوجه والهيئة الجسدية وكذلك يظهر مرتديا بنطالا من ذات اللون الغامق.
خلفية
نادرا ما يُسمح للمراقبين المستقلين أو الصحفيين بالتحقيق في النزاع المسلح الدائر في شبه جزيرة سيناء منذ نهاية 2013، و التي تتعامل معها الحكومة على أنها منطقة عسكرية مغلقة، حيث فرض حظر تجول وحالة طوارئ منذ أكتوبر 2014 وحتى آواخر عام 2021، تعرض الصحافيون المصريون الذين غطوا أخبار شمال سيناء لملاحقة أمنية مثلما حدث مع الباحث اسماعيل الاسكندراني، والذي يقضي حكما بالسجن لمدة 10 سنوات لاتهامه بنشر أخبار كاذبة بعد إلقاء القبض عليه في 29 نوفمبر 2015.
قامت عدة منظمات حقوقية محلية ودولية سابقا بتوثيق قيام قوات وزارة الداخلية والجيش عدة مرات بعمليات إعدام خارج نطاق القضاء. من بين تلك الوقائع، حينما أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش بيانا في تاريخ 16 مارس 2017 تتهم فيه وزارة الداخلية المصرية بإعدام ما بين 6 - 10 رجال خارج إطار القضاء في منزل بالعريش شمال سيناء وفبركة مقطع فيديو لمداهمة منزل للتغطية على القتل. كما أصدرت منظمة العفو الدولية بيانا في 21 أبريل 2017 تتهم فيه الجيش المصري بالمسئولية عن سبعة على الأقل من عمليات القتل غير المشروع، بما في ذلك إطلاق النار من مسافة قريبة على رجل أعزل وطفل يبلغ من العمر 17 عاماً مما أدى إلى مقتلهما.
منذ تصاعد حدة الصراع في سيناء بنهاية عام 2013، بدأ الجيش بالاستعانة بمجموعات ومليشيات محلية في مواجهة المسلحين، وذلك في سبيل تلافي الضعف المعلوماتي والعملياتي في المنطقة التي لم يعمل بها الجيش منذ عقود. إذ قام بتجنيد عدد من السكان المحليين ضمن قوات غير نظامية لا تخضع للقوانين السارية أُطلق عليها من قبل السلطات اسم “المناديب” والتي تتركز مهامها في تقديم معلومات استخباراتية إضافة إلى المشاركة في عمليات التمشيط والاعتقال للسكان المحليين، ويمكن تمييزهم عن القوات النظامية في زيّهم الذي يجمع ما بين العسكري والمدني. نتج عن أعمالهم ارتكاب انتهاكات حقوقية وقيامهم باستغلال السلطات الممنوحة لهم في تحقيق مكاسب تجارية وتصفية حسابات شخصية.
بدأت محاولات جنينية لتشكيل مجموعات مسلحة من أبناء القبائل لقتال التنظيم منتصف عام 2015، إثر هجوم نفذه تنظيم ولاية سيناء على سوق قرية البرث جنوب رفح؛ معقل قبيلة الترابين. شُكّل "اتحاد قبائل سيناء" الذي كانت الأغلبية فيه لقبيلة الترابين. كما قام التنظيم بهجوم انتحاري على حاجز تفتيش اقامته قبيلة الترابين بالقرب من رفح في أبريل 2017. في مايو 2017 أعلنت قبيلة الترابين أحد أكبر قبائل سيناء في بيان إعلامي "الحرب" على تنظيم ولاية سيناء. وتبعه بيان آخر من قبيلة السواركة باستعدادها للدخول في مواجهات مسلحة ضد التنظيم في سيناء. غير أن القيادات العسكرية والاستخباراتية ظلت متحفظة على قيام الجيش بتسليح وتدريب هذه المجموعات بشكل مباشر ومنتظم. فرغم أن تعاون أبناء القبائل مع القوى الأمنية والعسكرية قد سبق هذه التطورات بكثير، ومنذ 2013، إلا أن دورهم لم يتطور إلى مسألة الانخراط في المواجهات المسلحة وبصورة منظمة ضد التنظيم. ففي يوليو 2015، وقبل دخول القبائل في مرحلة المواجهة المسلحة مع تنظيم ولاية سيناء، نقل على لسان أحد مشايخ العشائر " إن مجموع البدو الذين يعملون مع الجيش كمرافقين في الحملات الأمنية يبلغ 300."
رغم تحفظ القيادات العسكرية على تسليح أبناء القبائل بشكل موسع، إلا أنه، وبحسب رصد مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان لتطورات الأحداث، طرأ تغير ملحوظ وتدريجي في قناعات صناع القرار منذ يوليو 2020 عقب الهجوم الذي شنه التنظيم على معسكر للجيش في قرية رابعة بمدينة بئر العبد في يوليو 2020 والذي أسفر وفقا لتقارير إعلامية، عن مقتل 40 وإصابة 60 من القوات المسلحة والذي أعقبه انتشار مكثف لمسلحي تنظيم الدولة في قرى تابعة لمدينة بئر العبد والسيطرة عليها واستهداف السكان المحليين بتهم التعاون مع الأمن مما دفع عدد من السكان إلى النزوح من المنطقة. أدى التدهور الأمني في المنطقة الى تبني الجيش مقاربة مختلفة تعتمد على الإسراع في دمج أبناء القبائل والمجتمع المحلي في شن العمليات العسكرية، حيث تم تسليح أبناء قبائل البياضية و السماعنة و الدواغرة و الاخارسة غرب سيناء، وذلك للدفاع عن قراهم ضد هجمات التنظيم وتأمين عودة النازحين.
الجدير بالذكر أن ذلك التحول في مهمات المجموعات القبلية، كان يعني أيضا أن الجيش هو من قام بتدريب هذه المجموعات في معسكرات تابعة له بشكل منتظم وسمح بعملها بتنسيق عملياتي ودعم نيراني جوي ومدفعي كجزء من العمليات العسكرية والأمنية. لكن القفزة الأكبر قد ظهرت في نهاية 2021 عقب طلب من المخابرات الحربية وتحديدا مكتب شئون القبائل من وجهاء قبائل السواركة والترابين والرميلات بتكوين مجموعات مسلحة من عشائر القبائل تم تمويلهم من رجال أعمال تابعين لهذه القبائل و جرى تدريبهم في مقرات تابعة للجيش في العريش وبئر العبد، فيما أطلق عليها مقاتلو هذه القبائل "معركة التطهير". منذ ذلك الوقت وبخاصة منذ ربيع 2022 أصبحت تلك المجموعات القبلية تشن عمليات عسكرية يومية أو شبه يومية على ما تبقى من معاقل التنظيم الذي تراجعت قدرته على تنفيذ الهجمات بشكل ملحوظ. ومن لحظتها أيضا تزايدت بشكل ملحوظ صفحات التواصل الاجتماعي التي تعبر عن تلك المجموعات القبلية وتنشر الأخبار عن تطورات معاركها الميدانية.