الرابط
صحفيون مصريون وعضوية نقابتهم.. جدل ومخاوف من "المسمار الأخير"
حالة من الجدل الشديد يعيشها الوسط الصحفي المصري هذه الأيام بسبب تزايد الضغوط التي تتعرّض لها نقابة الصحفيين حتى تفتح أبوابها لصحفيي المواقع الإلكترونية الذين لا يحقُّ لهم الانضمام إليها لأنهم لا يستوفون شروط القانون الحالي.
وخلال السنوات الفائتة ظهرت في مصر عشرات المواقع الصحفية الإلكترونية التي نجح العاملون بها في تحقيق نجاحات مهنية كبيرة، ورغم ذلك فإن أغلبهم بقي محرومًا من الانتساب لنقابة الصحفيين، إذا كانت المؤسسة التي يعمل بها لا تملك إصدارًا ورقيًا.
ولفترةٍ طويلة تعالت مطالب هؤلاء الصحفيين بأحقيتهم بالالتحاق بالنقابة، إلا أنهم قُوبلوا بالرفض في كل مرة، إلا منذ أيام حينما قرّر مجلس النقابة الحالي حلاّ مؤقتًا للأزمة وهي منح صحفيي المواقع عضوية "انتساب" وهي درجة أقل من عضوية "انتظام"؛ فعضو "الانتساب" يُسمح له بالانضمام للنقابة فقط ويُعترف به رسميًا، لكن في المقابل لا يتمتّع بأيِّ من خدماتها.
اعتمد المجلس في هذا القرار على تفعيل المادة 12 من قانون إنشاء نقابة الصحفيين، الذي نصّ على منح حق "الانتساب" للنقابة إلى الأفراد "الذين يسهمون مباشرة في أعمال الصحافة"، وهو قرار لم ينهِ الجدل وإنما زاد منه.
لماذا أثار قرار نقابة الصحفيين هذه الأزمة؟ وما حجم مشكلة "صحفيي المواقع"؟ وهل يُمكن الوصول إلى حلٍّ عادل لها؟
سنوات الجري في المكان
في 1970 صدر قانون رقم 76 الخاص بإنشاء نقابة الصحفيين مؤلفًا من 122 مادة وصفت الصحفي بالشخص الذي يقوم بأحد مهامٍ ثلاثة، هي: العمل في صحيفة أو وكالة أنباء تصدر داخل مصر، المترجم أو المراجع اللغوي والمحرر الرسام (المسؤول عن تصميم الصفحات فنيًا)، وأخيرًا المراسل الذي يعمل لصالح الصحيفة من خارج البلاد.
وطيلة 54 عامًا لم تطرأ تعديلات على هذا القانون ولم تستوعب مواده التغيرات الهائلة التي طرأت على مهنة الصحافة التي لم تقتصر على ظهور المواقع الصحفية الإلكترونية، وإنما تجاوزتها إلى ما هو أكثر مثل إعداد البرامج التلفزيونية والكتابة المباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، وهو ما خلق مشكلة كبيرة عانت منها الأجيال الجديدة من الصحفيين، الذين يزاولون المهنة منذ سنوات دون أن يستطيعوا إصدار وثيقة تثبت ذلك.
ومن دون الانضمام لنقابة الصحفيين المصريين فإن أي شخص يزاول المهنة لا يستطيع إثبات عمله صحفيًا في بطاقة الرقم القومي، ولا يتمتع بأي خدمات تقدّمها النقابة مثل الراتب الشهري الذي يُمنح لكل عضو فيها تحت اسم "بدل التدريب والتكنولوجيا"، بجانب خدمات علاجية بأسعار مخفضة وتخصيص معاش بعد بلوغه سن الـ60.
"أعمل صحفيًا منذ 10 سنوات، رغم ذلك فإن أحدًا لا يعترف بي"، هكذا بدأ الصحفي أحمد رضا (35 عامًا) حديثه لـ"الحرة"، كاشفًا أنه منذ بداية حياته المهنية حلم بأن يظفر بعضوية نقابة الصحفيين مثل باقي زملائه.
ولكي يحقق هذا الحلم عمل قرابة 5 سنوات في جريدة تملك إصدارًا ورقيًا بأجرٍ زهيد على أمل التعيين فيها ثم الترشح لنيل عضوية النقابة وهو ما لم يحدث في النهاية بسبب مشكلات إدارية أغلقت الجريدة وأهدرت حلمه بعضوية النقابة.
بعدها قرّر الصحفي المصري ألا يكرّر نفس التجربة من جديد فرفض العمل بأي جريدة ورقية بنفس الأجور المتواضعة، وركّز على العمل في عددٍ من المواقع الإلكترونية وبعدها بدأ في التعامل مع منصات خليجية منحته عوائد مالية أفضل.
"نعم، أصبحت أتقاضى راتبًا شهريًا جيدًا لكنّني لا أستطيع إثبات مهنتي في أي ورقة رسمية لأن النقابة لا تعترف بي"، لذا فإن أحمد اعتبر أن اقتراح "عضوية الانتساب" سيكون مناسبًا له.
ويوضح "لا أريد شيئًا من أحد، لا البدل ولا العلاج، فقط وثيقة تعترف بي صحفيًا، عندما أدخل مصلحة حكومية أو بنكًا ويتم سؤالي عن مهنتي لا أعرف بماذا أجيب، فلا أملك شيئًا يثبت أني صحفيًا".
وفي المقابل عارض الصحفي المصري محمد عبدالحليم (32 عامًا) ما ذهب إليه أحمد قائلاً "أمتلك موهبة كبيرة وكتبتُ في أنجح المنصات العربية فكيف لا تعترف بي النقابة؟!، العضوية الكاملة أبسط حقوقي".
وحكى محمد أن بعض المنصات الصحفية التي تملك إصدارات ورقية تمارس استغلالاً بشعًا على الصحفيين باعتبار أنها الطريق الوحيد لتمكينهم من الالتحاق بالنقابة، ويوضح: "بعض الجرائد توظّف صحفيين برواتب زهيدة جدًا وبعضهم يعملون لسنوات دون رواتب بالأصل، وفي بعض الأحيان يدفعون نقودًا حتى ينالوا عضوية النقابة".
كيف بدأ الحراك؟
الصحفية سارة عادل مديرة غروب "عضوية النقابة حق للصحفيين الإلكترونيين" على "فيسبوك" كانت من أوائل الصحفيين الذين أعادوا الحديث عن هذه الأزمة القديمة بعدما دشّنت "غروب" لإعادة الحديث عن هذا الأمر، وهو ما لعب دورًا كبيرًا في تحويل القضية إلى "تريند" قرر مجلس النقابة التفاعل معه.
تحكي سارة لـ"الحرة"، أنها درست بكلية الإعلام وعملت بالصحافة منذ تخرجت في 2011، أي منذ 13 عامًا، بخلاف عامين عملتهما كمتدربة، رغم مرور كل هذه السنوات فإنها لم تلتحق بنقابة الصحفيين، أوضاع صعبة إن لم تُحل قد تدفعها للتخلي عن الصحافة والبحث عن مهنة أخرى.
وفي مايو الماضي أصدر مجلس النقابة قرارًا بالسماح للصحفيين المصريين الذين يعملون خارج البلاد وبأساتذة الجامعة بالانتساب لنقابة الصحفيين وفق شروطٍ محددة، وهو ما مثّل علامة استفهام كبرى عند سارة بشأن رغبة النقابة في تقنين أوضاع هذه الفئات، وتجاهل الآلاف من صحفيي المواقع داخل مصر.
وبناءً على نصيحة بعض زميلاتها أسّست "مجموعة" على موقع "فيسبوك" لمناقشة هذا الأمر بشكلٍ موسّع، وهي دعوة لقيت تأييدًا كبيرًا من زملائها بما فيهم المقيدون داخل النقابة.
بعدها ظهرت مطالبات جديدة بأن يكتفي صحفيو المواقع بطلب عضوية الانتساب باعتبارها أفضل من لا شيء، وهي خطوة رفضتها سارة بعدما اعتبرتها لا تمنحها أي حقوق، مجرد "كارنيه زينة (بطاقة للاستعراض)"، على حدِّ وصفها.
رغم ذلك تبنّى مجلس نقابة الصحفيين "الانتساب" كحلٍّ وحيد متاح للتخفيف من حدة الأزمة، وهو القرار الذي أثار ضجة عارمة فور صدوه بعد هجوم بعض أعضاء الجمعية العمومية عليه بسبب رفضهم انضمام "الصحفيين الإلكترونيين" إلى نقابتهم.
تقول سارة "وصفونا بأننا "تيك توكرز" و"مدونين"، وأننا سندق آخر مسمار في نعش الصحافة، هؤلاء يرفضون مجرد الانتساب فكيف نتخيل أننا قد نحصل على العضوية الكاملة يومًا ما".
من جانبه اعتبر الصحفي محمد زكريا أن هدفه الرئيسي من الانضمام لتلك الحملة أن تكون نقابة الصحفيين للجميع، متهماً بعض أعضاء مجلس النقابة بعدم الرغبة في التوصل لحلٍّ جذري للمشكلة خوفًا من الاصطدام بالجمعية العمومية والسقوط في الانتخابات المقبلة.
رفض زكريا خلال حديثه لـ"الحرة" خيار الانتساب، بعدما توقّع أن يُحدّد بشروط صعبة تضع سيفًا على رقبة الصحفيين تزيد من مشاكلهم ولا تحلّها، قائلاً "طالما قررنا خوض معركة فلنُكملها حتى النهاية، لقد دخلناها من أجل تحقيق مبدأ وليس لانتزاع مكاسب محدودة".
وفي النهاية اعتبر زكريا أن ما يجري خطوة جيدة، لكن يجب أن تتبعها خطوات من أجل تغيير القانون بأسره.
هذه الدعوة أيّدها عضو مجلس نقابة الصحفيين، رئيس تحرير بوابة روزاليوسف أيمن عبدالمجيد، بعدما نشر فيديو عبر صفحته على "فيسبوك" انتقد فيه منح صحفيي المواقع عضوية الانتساب باعتبار أنها ستظلمهم وستزيد من مشكلتهم وليس العكس، داعيًا إلى منحهم عضوية كاملة عبر العمل على تغيير قانون الصحفيين.
لا لتغيير القانون
لا يُبدي مجلس نقابة الصحفيين رغبة في العمل على تغيير قانون الصحفيين بالوقت الحالي، وهو موقفٌ برره وكيل نقابة الصحفيين، رئيس لجنة القيد هشام يونس بوجود "تخوفات" لديهم من أن يُجري مجلس النواب تعديلات إضافية على القانون ضد رغبة نقابة الصحفيين.
وقال يونس لـ"الحرة": "لا نضمن أي شيء بعدما جرى في قانون الإجراءات الجنائية".
ومنذ شهرٍ واحد أعلنت نقابة الصحفيين رفضها لقانون "الإجراءات الجنائية" بعدما انتهت لجنة الشؤون الدستورية في مجلس النواب من مراجعته، واعتبرت النقابة أن 41 مادة بمشروع القانون تخالف الدستور.
وبسبب هذا الموقف هاجمت اللجنة التشريعية بمجلس النواب نقيب الصحفيين واصفة خطابه بـ"الادعاءات المغرضة" التي تصدر من "أناس يستترون خلف جدار حرية الرأي".
مثل هذه السيناريوهات هي أكثر ما يمنع أغلب أعضاء مجلس النقابة عن العمل على تغيير القانون، لذا شدّد يونس على أن الحل الوحيد المطروح حاليًا إجراء بعض التعديلات على اللوائح، وبجانب ذلك ستُعقد جلسة في المؤتمر العام للصحافة المصرية الذي سيُعقد الشهر المقبل لبحث هذا الأمر بشكلٍ موسّع مع أعضاء الجمعية العمومية، لضمان الوصول إلى حلٍّ يرضي الجميع.
موقع الحرة