هل تعيد مصر صياغة مستقبلها الاقتصادي عبر مفهوم اقتصاد الحرب؟تصريحات رئيس الحكومة المصرية، مصطفى مدبولي، حول احتمال العودة إلى “اقتصاد الحرب” في ظل الأزمات الإقليمية الراهنة تثير تساؤلات حول مستقبل الاقتصاد المصري وما يترتب عليه من تداعيات على حياة المواطنين
في ظل تفاقم الأزمات الإقليمية وتأثيرها على مستقبل المنطقة، وتزايد التوترات السياسية، تحدث رئيس الحكومة مصطفى مدبولي عن مرحلة جديدة قد تفرض على مصر معادلة غير مألوفة. مع تصاعد الصراعات في الشرق الأوسط، تبرز ملامح ما يُعرف بـ”اقتصاد الحرب”، الذي يعني توجيه الدولة لمواردها نحو الحفاظ على استقرارها وبقائها، بدلاً من السعي وراء النمو والازدهار.
منذ أيام، أعلن رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، عن أن التطورات المتسارعة في المنطقة قد تدفع مصر إلى تبني سياسة اقتصاد الحرب في حال اندلاع صراع إقليمي، وأشار أيضًا إلى أن التوترات الدولية والإقليمية الحالية تعتبر غير مسبوقة، وأن اندلاع حرب إقليمية يترتب عليه تداعيات كبيرة على كافة الأصعدة، مؤكدًا ضرورة التركيز على استمرارية توفير السلع والخدمات والبنية التحتية للشعب المصري، داعيًا إلى تعزيز إجراءات الحوكمة وترشيد النفقات والاستهلاك لمواجهة أي سيناريو محتمل.
مصطلح اقتصاد الحرب تعود جذوره إلى فترة الحرب الأهلية الأمريكية بين عامي 1861 و1865، ليبرز من جديد بشكلٍ لافت خلال الحرب العالمية الثانية، حين أشار الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت إلى ضرورة تحول اقتصاد بلاده نحو خدمة الجهد العسكري في حال انتصار دول المحور، ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا المفهوم أداةً رئيسية للدول التي تخوض صراعات كبرى، إذ تُعد الولايات المتحدة من بين أكثر الدول التي اعتمدته خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكذلك في حرب فيتنام.
يعكس المصطلح تحولًا جذريًا في توجهات الاقتصاد الوطني، إذ يُعاد توجيه جزء كبير من موارد البلاد، أو كلها، لتلبية احتياجات الجيش. يشمل هذا التحول توفير كافة المستلزمات الضرورية لخوض المعارك وحماية الأمن القومي، بحيث تصبح الأولوية لتأمين السلع والخدمات اللازمة للمجهود الحربي.
ويعتمد هذا الاقتصاد على سن قوانين تُمكّن الدولة من السيطرة الشاملة على الموارد الوطنية، مع فرض تغييرات جوهرية في سياسات الإنتاج الصناعي ليتماشى مع الأهداف العسكرية، كما يتضمن فرض إجراءات ضريبية جديدة وتعديلات مالية؛ لضمان التوازن بين متطلبات الدولة العامة والاحتياجات العسكرية الطارئة.
باختصار، يُعتبر اقتصاد الحرب تحوّلًا استثنائيًا في مسار الدول، يجمع بين القوة الاقتصادية والعسكرية، ويوجه طاقات الأمة نحو مواجهة التحديات الوجودية التي تفرضها الصراعات الكبرى.
مصر واقتصاد الحرب
تسببت الهزيمة التي تعرضت لها القاهرة في عام 1967 في خسائر اقتصادية جسيمة، إذ قُدرت تلك الخسائر بنحو 11 مليار جنيه مصري، “ما يعادل حوالي 25 مليار دولار بأسعار الصرف السائدة حينها”، وفقًا لتقديرات رئيس الوزراء الأسبق عزيز صدقي، فقدت مصر نحو 80% من عتادها العسكري؛ ما أجبرها على تأمين موارد مالية كبيرة لشراء بدائل، كما تأثرت إيرادات قناة السويس بشكل كبير، إذ بلغت الخسائر نحو 95.3 مليون جنيه، فضلاً عن فقدان آبار البترول في سيناء، وقد سجلت الأضرار الناتجة عن قصف الاحتلال الإسرائيلي لمنشآت قناة السويس ما يقرب من مليار جنيه، بينما فقدت السياحة نحو 37 مليار جنيه سنويًا. تضررت الصناعة أيضًا، إذ دُمرت 17 منشأة صناعية كبرى بتكاليف وصلت إلى 169.3 مليون جنيه.
وبناءً على تلك الأوضاع، لجأت مصر إلى سياسة “اقتصاد الحرب” خلال الفترة بين 1967 و1973. في فبراير 1973، أُعلنت موازنة الحرب التي أعدها رئيس الوزراء عزيز صدقي، وهدفت الموازنة إلى توفير التمويل اللازم لتلبية احتياجات القوات المسلحة، بما في ذلك الأدوات الطبية والمواد الغذائية، بينما تم تأجيل المشاريع التنموية طويلة الأجل، شملت التدابير الحكومية تقليص الإنفاق الحكومي- بما في ذلك تخفيض مخصصات السفر والمواصلات، ونفقات الأعياد والمواسم-، وفي مارس من نفس العام، اتخذت خطوات إضافية لـ تقليص مخصصات المياه والإنارة والنقل، إذ تم خفض الاعتمادات بنسبة 10% في بعض المجالات، وبنسبة 75% في مخصصات الأعياد والمناسبات.
تُظهر البيانات أن الإنفاق العسكري شهد قفزة ملحوظة من 481.8 مليون دولار في عام 1966 إلى 1.243 مليار دولار في عام 1973، ما يعكس التركيز على الاستثمارات الدفاعية، وارتفعت نسبة الإنفاق العسكري من الناتج المحلي الإجمالي من 6.68% إلى 13.51%، خلال تلك الفترة، اتبعت الدولة سياسة انكماشية تمثلت في ثلاث أدوات رئيسية: زيادة أسعار السلع الكمالية، فرض ضرائب غير مباشرة، وتقليص الاستثمارات المحلية.
نتيجة لذلك، ارتفعت الإيرادات الضريبية الناتجة عن الضرائب غير المباشرة من 442.5 مليون جنيه عام 1970 إلى 574.7 مليون جنيه عام 1973، بينما سجلت الضرائب المباشرة نحو 257.5 مليون جنيه، وكان المصدر الرئيسي للمعونات المقدمة لمصر في هذه الفترة هو الدول العربية، التي قدمت منحًا بمعدل 286 مليون دولار سنويًا، لتعويض نقص المعونات الخارجية.
اليوم، ورغم من مرور نحو 51 عام على آخر الحروب التي خاضتها مصر؛ إلا أن المواطن يجد نفسه وكأنه ما زال يعيش في ظل اقتصاد حرب، فـ المعاناة الاقتصادية التي تُثقل كاهل الطبقات المختلفة لم تتوقف، بل ازدادت مع مرور الزمن، ارتفاع الأسعار، الضرائب المتزايدة، وندرة بعض السلع الأساسية تشكل جزءًا من الحياة اليومية للمصريين؛ ما يعيد إلى الأذهان تلك الأجواء الصعبة التي عاشها الشعب في سبعينيات القرن الماضي.
ظروف اقتصادية مُبررة؟
يروي اللواء طيار حسين القفاص، ما عايشه في زمن حرب أكتوبر، وكيف كان المواطن يواجه ظروفًا اقتصادية عصيبة تحت وطأتها، لكن رغم الصعاب كان الوضع مبررًا؛ فـ الدولة كانت بالفعل في حالة حرب حقيقية. يقول: “أتذكر حين كنا نذهب إلى الجمعيات الاستهلاكية لشراء الدجاج بشكل أسبوعي، وقد كانت الأمور مقيدة علينا بسبب دعم المجهود الحربي. في ذلك الوقت، كان راتبي يتراوح بين 70 و90 جنيهًا، وكانت كافة مصاريف الدراسة لأحد أبنائي من كتب وملابس لا تتجاوز 78 جنيهًا. الحياة رغم ضيقها كانت قابلة للتأقلم.”
يضيف في حديثه مع زاوية ثالثة: “في مقارنة مع الماضي، كانت تل أبيب خلال فترات ما قبل نصر أكتوبر تتمتع بأسلحة وإمكانات كبيرة، بينما كان المواطن المصري يرضى بالوضع الاقتصادي الصعب متحملاً تبعات الهزيمة في نكسة 1967. لقد عايشت تلك الفترة وأنا طالب في الكلية الحربية منذ عام 1966، وكان الإعلام حينها بعيدًا عن الحقيقة ولا يقدم الصورة الكاملة، كنا نمتلك قوات عسكرية في اليمن، وموارد ليست بالقليلة، إلا أن الشعب المصري رغم الهزيمة كان قادرًا على البقاء متماسكًا، فلم يكن أحد ينام دون عشاء.”
ويستكمل: “اليوم، ومع الأزمات الاقتصادية التي تضرب البلاد والعالم – بما فيها أوروبا-، نجد أنفسنا مضطرين لتحمل الواقع واللجوء إلى الدعاء لمن يعانون من ضغوط الحياة اليومية، ورغم كل ما تواجهه البلاد، يبقى السؤال: ماذا يمكن أن تفعل السلطة في ظل التحديات العالمية المتفاقمة؟. علينا جميعًا أن نتكاتف ونقدم العون للقيادة السياسية الحالية حتى نعبُر من تلك المرحلة، فما نُشاهده حولنا في اليمن، ليبيا، السودان، لبنان، وسوريا وغيرها من الدول لا يتطلب منا إلا الوقوف صفًا واحدًا من أجل العبور.”
وبعيون الواقع الحالي، تشكو سيدة (42 عامًا- تعمل مُعلمة للغة العربية في إحدى مدارس الجيزة الحكومية)، من غلاء الأسعار، وترى أن وضع المعلمين ومعظم المصريين بات يُرثى له؛ فـ الرواتب لا تكفي طوال الشهر، وبالرغم من مساندتها زوجها فإن الظروف المعيشية صعبة للغاية.
وتتذكر سيدة بينما تحبس دموعها في حديثها معنا ما واجهته من أزمة مؤخرًا عندما سمعت عن غلاء سعر أسطوانة البوتاجاز التي وصلت الآن إلى 200 جنيهًا، إضافة إلى الحديث عن تحويل الدعم من عيني إلى مادي، فمهما كان الدعم فإنه لن يُجدي، فغلاء الأسعار والقرارات التي تتخذها الحكومة يمثلان عبء على المواطن البسيط الذي يحلُم فقط بأن ينتهي الشهر دون الدخول في دوامة الاستدانة للآخرين.
يروي محمد (37 سنة، محامي حُر، وأحد سكان منطقة المهندسين) أن الأوضاع المعيشية الحالية، تُذكره بما كان يرويه له والده، في فترة السبعينيات من القرن الماضي. ورغم من المعاناة التي يتذكرها محمد في روايات والده، إلا أنه يرى أنه يعيش في حالة غلاء مستفحلة تفوق الوصف، وأن شراء المستلزمات بسعر موحد بات من المستحيل، في إشارة منه إلى تسعير التجار للسلع بأكثر من سعر.
يتطرق إلى التضخم الذي تُعاني منه البلاد منذ فترة طويلة، والذي يتسبب في غلاء الأسعار. يقول: “نحن ننام على سعر ونستيقظ على آخر. إذا كانت تلك الأموال يتم توجيهها لتسليح البلاد في حالة الحرب، فجميعنا نؤيد ذلك، لكن من المفترض أننا لا نعيش في توقيت حرب، فهل يمكننا أن ندّخر تلك الظروف الصعبة لوقتها. الأسعار تحتاج إلى وقفة، الأوضاع المعيشية أيضًا تحتاج إلى وقفة، لتتناسب الرواتب مع الأسعار.”
تخوفات اقتصادية وتعليمات صندوق النقد
يرى عبد النبي عبد المطلب – وكيل وزارة الصناعة والتجارة للبحوث الاقتصادية سابقًا-، أن حديث رئيس الحكومة عن احتمال لجوء مصر إلى اقتصاد الحرب ربما لم يكن تعبيرًا دقيقًا؛ ففي رأيه، قد خانه التعبير عندما استخدم هذا المصطلح الذي أصبح من الماضي.
ما أشار إليه مدبولي – وفق عبدالنبي- هو التخوفات من تداعيات اقتصادية محتملة نتيجة اتساع رقعة الحرب في منطقة الشرق الأوسط، وليس إعلانًا فعليًا لاقتصاد حرب كما كان يُفهم في العقود السابقة.
يوضح وكيل وزارة الصناعة والتجارة للبحوث الاقتصادية السابق في حديثه مع زاوية ثالثة أن المصطلح كان يعني سيطرة السلطة الكاملة على كافة الأنشطة الاقتصادية، إذ كانت الحكومة تُصدر كوبونات لتوزيع المواد الغذائية وتضع خطة دقيقة لتوزيع الموارد، كما كانت تشرف على جميع المصانع والمصارف والاستثمارات في البلاد، ولم تكن أي حركة للأموال تتم من الداخل إلى الخارج أو العكس دون إذن رسمي من السلطة، إضافة إلى أن الاستيراد والتصدير كان يخضع بالكامل لإشراف حكومي مباشر وبموافقة رسمية.
ويعتقد أن هذا التصريح قد يكون مرتبطًا بـ التأجيل المستمر للمراجعات مع صندوق النقد الدولي، التي كان من المفترض إجراؤها في سبتمبر الماضي، ولكن تم تأجيلها إلى نوفمبر المقبل وربما يتم تأجيلها مرة أخرى إلى يناير من العام الجديد، ويشير إلى أن مصر قد تحتاج إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية صارمة لاستكمال هذه المراجعات، لكنها قد تحمل تبعات سياسية واجتماعية خطيرة، خاصة في ظل الارتفاع غير المسبوق في الأسعار، الذي جعل المواطن المصري غير قادر في كثير من الأحيان على تلبية احتياجاته الأساسية.
يرى عبدالنبي أن التصريحات كانت موجهة أساسًا إلى الداخل المصري، لكنها لم تأخذ في الحسبان أن العالم بأسره كان يتابعها. ولذلك، يمكن أن يكون لتلك التصريحات تأثير سلبي على الاقتصاد أكبر من تأثير الحرب نفسها، خصوصًا في وقت تحاول فيه مصر جاهدة جذب الاستثمارات الخارجية وتحسين صورة الاقتصاد أمام العالم.
النائب عبد المنعم إمام – أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب-، يتفق مع حديث أستاذ الاقتصاد السياسي، في أن التصريحات المتعلقة بإعلان اقتصاد الحرب خلال المؤتمر الذي عُقد مؤخرًا كانت غير موفقة، مشيرًا إلى أن هذا النوع من التصريحات لا يتناسب مع أجواء المؤتمر الذي كان من المفترض أن يناقش فيه وزير الاستثمار ووزير المالية حوافز وخطط استثمارية. مضيفًا أن الحديث في مثل هذا السياق يعكس سوء التقدير من المسؤول.
ويشير إلى أنه في حال حدوث حرب أو تأثيرات من الحروب الإقليمية، فمن الطبيعي أن تتجه الدولة نحو اقتصاد الحرب، ما قد ينعكس سلبًا على أسعار النفط والسلع، مؤكدًا أن هذه التصريحات لا تعكس واقعًا ملموسًا، إذ يستدعي الوضع وجود استجابة مدروسة.
ويعتبر أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، في حديثه معنا، أن مثل هذه التصريحات تفتقر إلى السياسة الحكيمة، ويقول إنه كان يأمل أن تكون الأوضاع أفضل من ذلك. مشددًا على أن الحديث عن اقتصاد الحرب لا يحمل أي جديد يضيفه رئيس الوزراء، ويعبر عن قلقه من تحول الأمور إلى اقتصاد تقشفي في ظل الأزمات، مؤكدًا أن تطبيق سياسات اقتصاد الحرب تختلف من دولة إلى أخرى، حسب حجم التأثيرات التي قد تطرأ على البلاد.
حلول خارج صندوق اقتصاد الحرب
ترى عالية المهدي – العميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة-، أنه من الصعب تطبيق مفهوم اقتصاد الحرب، مؤكدة أنه يمكن النظر للأمور من منظور آخر، وهو التحديات الداخلية التي تواجه مصر والتي لا تعود فقط إلى نقص الدولار أو تقلبات سعر الصرف؛ بل تركز على ضرورة تعزيز التشغيل والادخار والاستثمار والإنتاج، وفتح الأبواب أمام القطاع الخاص، الذي يُعدّ المسؤول عن توظيف نحو 75% من القوى العاملة في البلاد.
وأكدت عالية على تراجع دور القطاع الخاص بشكل ملحوظ، إذ أن نصيبه من الائتمان المصرفي لا يتجاوز 21%، وهو معدل منخفض جدًا، ما يعكس بيئة غير مشجعة للاستثمار والإنتاج.
تضيف في حديثها مع زاوية ثالثة أن القطاع الخاص هو المصدر الرئيسي للإنتاج والتشغيل والتصدير لكافة السلع عدا النفط الذي تحتكره المؤسسات الحكومية، ما أدى إلى تراجع معدلات النمو، وفيما يتعلق بالحوار الوطني، أعربت عالية عن تعجبها من غياب التنفيذ للقرارات والمقترحات التي تم التوصل إليها قبل ستة أشهر.
وأكدت أهمية إشراك عدد محدود من الخبراء مع المجموعة الاقتصادية في هذا الحوار، وتطبيق جميع توصياتهم بشكل فوري لضمان تحقيق الأهداف المرجوة، علينا التركيز على هذه الأمور قبل التفكير في الإعلان عن إجراءات أخرى أكثر تشددًا ربما تفرضها اقتصادات الحرب.
في هذا السياق، يقول كريم العمدة – رئيس الوحدة الاقتصادية في مركز التحرير للدراسات- إن التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء بشأن إمكانية إعلان اقتصاد الحرب في حال استمرار الأوضاع الإقليمية هي تصريحات غير موفقة تمامًا، ويضيف أنه يجب أن ندرك أن مصر ليست في حالة حرب فعلية، إذ أن مفهوم اقتصاد الحرب يتطلب توازنًا اجتماعيًا واقتصاديًا، إضافة إلى تعبئة الموارد لدعم المجهود الحربي.
ويشير إلى أن هذا النوع من الاقتصاد يعتمد على التقشف المستمر وإعادة تقييم دائمة للصادرات والواردات، كما يوضح أنه في حالة اقتصاد الحرب، يجب على جميع قطاعات المجتمع – بما في ذلك الأطباء والمهندسين-، أن تسهم في المجهود الحربي، ما قد يخلق نوعًا من السيطرة العسكرية على الأمور السياسية.
ويؤكد رئيس وحدة الاقتصاد في مركز التحرير أن اقتصاد الحرب يمر عبر ثلاث مراحل رئيسية: مرحلة الاستعداد، ومرحلة مواجهة العدو، ومرحلة إعادة الإعمار بعد الحرب. مع ذلك، يشدد على ضرورة التعبير عن الوضع الحالي بشكل أكثر دقة. يقول: “من الأفضل أن يتم الإشارة إلى أننا في حالة استثنائية أو اقتصاد طوارئ نظرًا للاحتكاكات الإقليمية.”
ويختتم بالقول إنه من الضروري أن يتمتع البلد بـ مخزون سلعي كافٍ، وأن تُبذل الجهود لترشيد الواردات وزيادة الموارد من النقد الأجنبي، مع الاعتراف بأن “اقتصاد الحرب” يختلف من دولة لأخرى بناءً على مستوى التورط في الصراعات وتأثير ذلك على السلع الأساسية للمواطنين.
بعد تصريحات رئيس الحكومة، كانت هناك ردود أفعال واسعة رافضة لها، وقد سلط الإعلامي أسامة جاويش، الضوء على تصريحات رئيس الوزراء حول احتمالية لجوء مصر إلى هذا النوع من الاقتصاد، مؤكدًا أنه يتسم باتخاذ الدول إجراءات صارمة خلال حالات الطوارئ، مثل. تحويل موازنات الدولة إلى التسليح وتقنين السلع الأساسية، إضافة إلى فرض ضرائب جديدة وأسعار استثنائية.
جاويش أشار في تغريدة عبر منصة “إكس” إلى أن القاهرة طبقت اقتصاد الحرب خلال الفترة من 1967 إلى 1973 بعد نكسة 67، إذ تم خفض الاستهلاك وتشجيع الادخار والإنتاج المحلي، إضافة إلى حملة التبرع للمجهود الحربي. كما ذكر إصدار سندات الجهاد خلال حرب أكتوبر لدعم القوات المسلحة، والتي جمعت سبعة ملايين جنيه في شهر واحد.
وفي حديثه عن الوضع الراهن، أوضح أن مصر شهدت منذ 2016 تطبيق إجراءات تقشفية شبيهة باقتصاد الحرب، إذ زادت نسبة الإنفاق العسكري وفرضت ضرائب كبيرة على المواطنين، بينما تستمر الحكومة في ترشيد الدعم وزيادة أسعار الوقود والخدمات، في المقابل، أشار إلى أن الحكومة تنفق بسخاء على مشروعات لا تحقق فوائد ملموسة، وتغلق المصانع المتعثرة. وتساءل في ختام تغريدته: هل يتطلب تفعيل اقتصاد الحرب اليوم أن يتحمل المواطن المزيد من الأعباء، أم سيُطلب من الجيش والصناديق الخفية المساهمة في تلبية احتياجات الدولة؟.
وفي تعليقه، يوضح عبد النبى عبد المطلب، أن هذا المصطلح يعني السيطرة الكاملة للسلطة على كل شريان اقتصادي ينبض في البلاد، ليصبح الاقتصاد محكومًا بأولويات المعركة. ويضيف أن تقييد الاستيراد في هذه الحالة يصبح قيدًا خانقًا، إذ لا يُسمح بدخول السلع إلا في حالات نادرة وضرورية، ما يؤدي إلى حالة من الجمود الاقتصادي وتوقف عجلة الإنتاج، الاقتصاد لا يتحمل هذا الخنق، كما أن منع التصدير يقضي على فرص تدفق المواد الخام ومستلزمات الإنتاج إلى المصانع، وينجم عن ذلك ارتفاع جنوني في الأسعار.
ويؤكد أن اقتصاد الحرب لا يرحم، فحتى أبسط الاحتياجات اليومية للمواطن تُوزع عبر الكوبونات، ليصبح الخبز والزيت والبنزين محصورين بين أصابع السلطة، ويُسحب من المخزون الاستراتيجي وفق معايير صارمة، حيث لا مجال للعبث أو التساهل. المخزون يتحول إلى ما يُعرف بـ”مخزون الحرب”، وهو سلاح السلطة في مواجهة الأزمات، لا يُستنزف إلا في حالات الضرورة القصوى.
وفي حديثه بنبرة تحذيرية، يشير إلى أن المواطن المصري سيكون هو المحارب الصامت في هذه المعركة، إذ سيتحمل كل الأعباء الثقيلة وحده، مع ضبابية الموقف فيما يخص دعم الصناديق السيادية أو الخاصة بالقوات المسلحة. مؤكدًا: “نحن لا نعرف كم تحتوي صناديق الدولة أو الصندوق السيادي من مليارات، وأعتقد أنه لن يكون هناك تدخل لتخفيف الضغط عن المواطن. كل هذه الأعباء ستسقط على عاتق المواطن، ولن ينجو منها أحد.”
في هذا السياق، ورغم غياب الحرب المباشرة في البلاد، إلا أن العديد من المصريين يشعرون وكأن السلطة ما زالت تخوض معركة اقتصادية غير معلنة؛ فالتضخم المتسارع، وتدهور القدرة الشرائية، مع فرض أعباء مالية جديدة، مثل. الضرائب والرسوم المتنوعة، يجعل من المشهد الحالي أقرب إلى اقتصاد الحرب، إذ يجد المواطن نفسه مضطرًا للتكيف مع واقع صعب يفرض عليه المزيد من التضحيات، وكأن المعركة لم تنته بعد، في تلك الفترة، كان الهدف هو النصر العسكري، أما اليوم، فإن الصراع يدور حول البقاء الاقتصادي والاستمرارية في ظل ضغوط داخلية وخارجية تزداد تعقيدًا.
موقع زاوية ثالثة