خطاب أممي يحذر من خطورة تعديلات قانون الإجراءات الجنائية ويطالب السلطات المصرية بتعديل التشريعات المقيدة للحريات بدلا من فرضها على الشعب المصرى
قام كل من؛ فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي، وفريق العمل المعني بحالات الاختفاء القسري، والمقرر الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير، والمقرر الخاص المعني بحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، والمقرر الخاص المعني بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، والمقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين، والمقرر الخاص المعني بحماية حقوق الإنسان أثناء مكافحة الإرهاب، بإرسال خطاب مشترك إلى السلطات المصرية بخصوص التعديلات المقترحة على قانون الإجراءات الجنائية المصري.
واستندت الآليات الأممية في العديد من نقاط خطابها على شكوى كانت تقدمت بها منظمة “لجنة العدالة” المصرية في وقت سابق، تضمنت تحليلاً شاملاً لعدد من مواد مشروع القانون المقترح، ومدى تعارضها مع الدستور المصري، كذا انتهاكها لالتزامات مصر بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقيات الدولية والأممية الأخرى الموقعة عليها.
وركزت الآليات الأممية في خطابها للسلطات المصرية على أهم المخاوف المتعلقة بمواد القانون المقترح، ومدى تأثير التعديلات المقترحة على حقوق الإنسان في مصر بشكل عام، والتي كان من أهمها:
– التوسع في مدد الحبس الاحتياطي واستمرار انتهاك الحق في الحرية:
أبرزت الآليات الأممية المخاوف بشأن المواد (123 و124)، التي تحدد فترات الحبس الاحتياطي، حيث تم تخفيض بعض الحدود القصوى، لكنها تظل طويلة، ما يسمح بمدد احتجاز مطولة قبل المحاكمة.
واعتبرت هذه الآليات أن الإبقاء على هذه الفترات الطويلة يتعارض مع المادة 9 (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تنص على أن الحبس الاحتياطي يجب أن يكون استثناءً، مع ضرورة تقصير مدته قدر الإمكان.
ولفتت كذلك إلى ضرورة النظر إلى ممارسة “تدوير القضايا”، والتي تستخدم لإعادة احتجاز المعتقلين عبر توجيه تهم جديدة، ما يؤدي إلى احتجازهم بدون محاكمة لفترات غير محدودة، منتقدة عدم وجود ضوابط تمنع هذه الممارسة، حيث إنها تعرض المعتقلين لخطر الاحتجاز المطول والتعذيب.
– توسيع صلاحيات النيابة العامة:
وانتقد الخطاب المشترك كذلك المواد التي تمنح النيابة العامة في مصر صلاحيات تجديد الحبس الاحتياطي لمدة تصل إلى 150 يومًا لبعض الجرائم، دون مراجعة قضائية كافية، ما يتعارض مع مبدأ استقلالية القضاء.
كما يسمح القانون المقترح للنيابة بفرض حظر السفر وتجميد الأصول دون تقديم مبررات كافية أو خضوع هذه القرارات للمراجعة القضائية، معتبرة أن هذه الصلاحيات الموسعة من شأنها أن تؤدي إلى إساءة استخدام هذه السلطات ضد الصحفيين والنشطاء، ما يهدد حرياتهم الأساسية.
وأوضح الخطاب كذلك أن فرض قيود دون مراجعة قضائية ينتهك المادة 62 من الدستور المصري، التي تنص على عدم جواز منع أي شخص من السفر إلا بأمر قضائي.
– إجراء المحاكمات عن بعد وتأثيره على ضمانات المحاكمة العادلة:
وأشارت الآليات الأممية إلى إتاحة القانون المقترح للنيابة والقضاء عقد جلسات التحقيق والمحاكمة عن بُعد عبر الفيديو، مبدية مخاوفها من تأثير ذلك على الحق في الدفاع. حيث أن التعديلات لا تضمن حصول المتهمين على تمثيل قانوني كافٍ، ولا توفر الضمانات اللازمة لحضور المتهم شخصياً أمام القاضي.
وحذرت الآليات من أن الجلسات عن بعد قد تؤدي إلى حرمان المتهم من التفاعل المباشر مع محاميه أو مواجهة القاضي شخصيًا، ما يُضعف الشفافية ويزيد من خطر سوء المعاملة.
– إجراءات تهدد الحق في الدفاع:
كذلك تتضمن التعديلات مواد تعطي النيابة سلطة رفض حضور محام المتهمين أثناء التحقيقات “إذا رأت النيابة ضرورة ذلك لكشف الحقيقة”! ما يتعارض مع حق المتهم في الحصول على تمثيل قانوني منذ لحظة اعتقاله.
كما يمنح القانون المقترح النيابة صلاحيات تمنع المحامين من مراجعة الملفات أو تصويرها إذا رأت أن ذلك “يعيق التحقيق”! وتؤكد الآليات الأممية أن هذه الصلاحيات تعيق قدرة المتهمين على تحضير دفاعهم وتخل بمبدأ تكافؤ الفرص، ما ينتهك المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تضمن حق المتهم في الدفاع والمساواة أمام القانون.
– التأثير على الشفافية في المحاكمات ومبدأ العلانية:
أيضًا تشمل التعديلات مقترحات منع نشر أو بث تفاصيل جلسات المحاكمات إلا بموافقة رئيس المحكمة، وفرض عقوبات على نشر أي تفاصيل متعلقة بالقضايا، خاصة تلك التي تتعلق بقضايا الإرهاب.
واعتبرت الآليات الأممية أن هذا القيد يتعارض مع مبدأ العلانية في المحاكمات، والذي يكفله الدستور المصري، كما يحد من حق الجمهور في متابعة سير العدالة والاطلاع على المعلومات ذات الصلة بالشأن العام، ويقوض حرية الصحافة والتعبير.
– الضمانات والمساءلة:
كذلك أثار الخطاب المشترك قلق الآليات بشأن المواد التي تفتقر إلى ضمانات فعّالة لمساءلة المسؤولين، خاصة فيما يتعلق بالانتهاكات المحتملة من قبل المسؤولين الحكوميين في إطار تنفيذ القانون. حيث تظل سلطات النيابة العامة واسعة فيما يخص تجديد الحبس وفرض القيود، دون وجود آليات قوية للمراجعة القضائية.
وشدد الخطاب على أن تعزيز المساءلة والرقابة على الإجراءات القانونية هو حجر الزاوية لضمان نزاهة واستقلالية النظام القضائي وحماية الحقوق الأساسية للأفراد.
– أسئلة للسلطات المصرية:
وطرح الخبراء الأمميون سلسلة من الأسئلة الهامة على السلطات المصرية، بهدف الحصول على توضيحات حول كيفية التزام مصر بالتزاماتها الدولية في ظل التعديلات المقترحة، ومنها:
– كيف تتماشى التعديلات المقترحة على قانون الإجراءات الجنائية مع التزامات مصر الدولية في حماية حقوق الإنسان، خاصة فيما يتعلق بالوقاية من الاحتجاز التعسفي وضمان حقوق المحاكمة العادلة؟
– وما هي الإجراءات المتخذة لحماية حرية التعبير والتجمع السلمي في ظل التوسعات المقترحة لصلاحيات النيابة العامة؟
– وكيف ستضمن السلطات أن ممارسة “تدوير القضايا” لن تُستخدم كأداة لاحتجاز الأفراد لفترات طويلة دون محاكمة؟
– وما الضمانات التي سيتم تطبيقها لمنع إساءة استخدام صلاحيات النيابة العامة في قضايا حظر السفر وتجميد الأصول؟
– وكيف ستتمكن السلطات من تأمين حقوق الدفاع وتوفير الشفافية، بما في ذلك الحق في مراجعة الملفات والأدلة، مع تنفيذ الجلسات عن بعد؟
– وما هي الخطوات المخطط لها لمراجعة قانون مكافحة الإرهاب، بما يضمن عدم استغلاله لتقييد حقوق الإنسان الأساسية؟
– التوصيات الرئيسية:
وأوصت الآليات الأممية في ختام خطابها المشترك الموجهة للسلطات في مصر بالآتي:
– مراجعة مدد الحبس الاحتياطي بحيث تكون قصيرة ومبررة، وفقًا لأحكام المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
– إلغاء ممارسة “تدوير القضايا”، وإدخال ضمانات لمنع استخدام الحبس الاحتياطي كأداة لقمع حرية التعبير والمعارضة السلمية.
– وحثت كذلك على تقييد صلاحيات النيابة العامة في تجديد الحبس الاحتياطي وفرض حظر السفر وتجميد الأصول، وجعلها خاضعة للمراجعة القضائية لضمان عدم إساءة استخدامها.
– تأمين حق المتهمين في حضور محاميهم أثناء جميع مراحل التحقيق والمحاكمة، ومنحهم الوصول الكامل إلى ملفات القضية والأدلة لتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم بفاعلية.
– إلغاء أو تعديل المواد التي تفرض قيودًا على نشر تفاصيل المحاكمات، مع تعزيز مبدأ الشفافية وحماية الحق في الحصول على المعلومات المتعلقة بالقضايا العامة.
– ضمان إجراء جلسات المحاكمة عن بعد بموافقة المتهمين فقط، مع توفير الحضور الشخصي لهم في الجلسات، لضمان التواصل الكامل مع محاميهم.
– الالتزام بمبدأ العلانية في المحاكمات بما يتماشى مع المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، لتمكين المحاكمات من أن تكون شفافة وعادلة.
– مراجعة التشريعات المتعلقة بمكافحة الإرهاب لضمان احترام حرية التعبير وحماية الحقوق الأساسية، وتجنب تقييد النشاطات السلمية والمشروعة.
من ناحيتها، ترحب “لجنة العدالة” بالخطاب الأممي المشترك هذا، والذي سلط الضوء على خطورة التشريعات المقيدة للحريات في مصر، وتعتبره خطوة مهمة في تعزيز الضغط الدولي من أجل حماية حقوق الإنسان في مصر.
كما تدعو اللجنة السلطات المصرية إلى الالتزام بالتوصيات الواردة في الخطاب، والتوقف عن إصدار قوانين تقيد الحريات الأساسية وتعرقل الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي بالبلاد.
كما تؤكد على أهمية فتح الفضاء المدني، وضمان مشاركة المواطنين والمنظمات الحقوقية في تطوير التشريعات بما يتوافق مع المعايير الدولية، وبما يعزز سيادة القانون ويحمي حقوق الأفراد الأساسية، باعتبار ذلك الأساس الحقيقي لتحقيق العدالة والاستقرار في البلاد.
ورحبت منظمة “لجنة العدالة” المصرية بالخطاب الأممي للسلطات المصرية وقالت منظمة “لجنة العدالة” إنه من ضمن مجالات تعاونها مع الآليات الأممية التركيز على خطورة القمع الممنهج الذي تمارسه السلطات المصرية من خلال التشريعات، حيث تعمل اللجنة على توضيح البنية التشريعية في مصر أمام الآليات الأممية، مُبرزةً كيفية استخدامها للتشريعات كأداة للقمع وتقييد الحريات وليست إجراءات لحفظ الأمن؛ وكجزء من سياسة أوسع تهدف إلى إحكام السيطرة السياسية وتقويض حقوق المواطنين الأساسية، في محاولة لدفع الآليات الأممية إلى التدخل والضغط على السلطات المصرية لإلغاء أو تعديل التشريعات القمعية لضمان توافقها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
الرابط
https://www.cfjustice.org/ar/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D8%AD%D8%A8-%D8%A8%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%A3%D9%85%D9%85%D9%8A-%D9%8A%D8%AD%D8%B0%D8%B1/