إزالة البرادعي من صورة "3 يوليو".. تزوير التاريخ لإرضاء الرئيس
- من يومين الرئيس السيسي زار أكاديمية الشرطة، ولُوحظ محو الدكتور محمد البرادعي، النائب الأسبق لرئيس الجمهورية، من صورة بيان 3 يوليو المعلقة في القاعة الرئيسية للأكاديمية، على الجدار الواقع خلف مقعد الرئيس.
- والصورة تضم الرئيس مع بقية القوى الوطنية اللي شاركت في مشهد 3 يوليو القاضي بعزل الرئيس الراحل محمد مرسي بعد عام من انتخابه، وتم رسم نسخة زيتية منها لتعليقها في أكاديمية الشرطة بالتجمع الخامس.
- البرادعي كان أحد المشاركين في إعلان عزل الرئيس محمد مرسي، بل كان أهم عنصر سياسي في الاجتماع باعتباره ممثل جبهة الإنقاذ الوطني، اللي كانت تجمع المعارضة المدنية في مصر.
**
من العادي أن تُمحى في مصر
- جرت مياه كثيرة في نهر السياسة المصرية بعد مشهد يوليو، وعُين البرادعي نائبًا للرئيس المعين عدلي منصور، وانسحب من منصبه احتجاجًا على فض اعتصامي رابعة والنهضة بالقوة في 14 أغسطس 2013.
- البرادعي كان له رأي مختلف عن أعضاء مجلس الدفاع الوطني، اللي قرروا فض الاعتصامين بالقوة، وكان شايف انه فيه حلول سياسية تانية ممكن تحقن الدماء، لكن في النهاية تغلب رأي الساعين لحسم الصراع مع أنصار الإخوان بالقوة، واستقال البرادعي بعد فض الاعتصامين.
- لكن هل دا ينفي أنه كان جزء من المشهد؟ وهل من حق أي طرف أنه يفصّل تاريخ مصر بشكل يرضي الرئيس بغض النظر عن الحقائق التاريخية اللي كل المصريين شهدوا عليها و عاشوها؟
**
- منصة "صحيح مصر" في تعليقها على واقعة حذف البرادعي من الصورة ذكرت أنه خلال سنوات عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، أزيل الفريق سعد الدين الشاذلي، قائد أركان الجيش المصري، من الصور الرسمية لحرب أكتوبر 1973، ووضع مكانها صورة الرئيس الأسبق حسني مبارك، إلى جانب الرئيس السادات خلال اجتماع القيادة العامة لإدارة الحرب.
- والشاذلي كان معارض لطريقة إدارة الرئيس السادات لحرب أكتوبر، واستمرت معارضته لمبارك، وفضلت صورته محذوفة من مشهد حرب أكتوبر، حتى قيام ثورة يناير 2011.
**
- ممكن نقول عن دا إنه تزوير التاريخ لإرضاء الرئيس ليه تاريخ عريق في مصر، والأرجح أنه التزوير دا بيبقى لفتة استعراضية من أجهزة الأمن لعدم تعكير صفو الرئيس بتذكُّر شخصيات لا يُفضلها، وقد يُشكِّل حضورها الرمزي إزعاجًا غير مرغوب فيه لرأس السلطة.
- لأنه في النهاية مبارك كان مدرك أنه دور سعد الدين الشاذلي كان أهم في حرب أكتوبر وأشد حسمًا من دوره، بل كان حضور الشاذلي في مشهد أكتوبر الحقيقي والفوتوغرافي أشد كثافة بما لا يقارن من حضور مبارك، ودا شيء مزعج لرئيس بنى شرعيته السياسية كلها على دوره في حرب أكتوبر!
**
"ففهمناها الجنرال"
- ما حدث مع الشاذلي تكرر مع البرادعي، لأنه في النهاية هتفضل صورة البرادعي مزعجة للرئيس سواء لأنه شق عصا الإجماع في مسألة فض الاعتصام وأبعد نفسه عمّا حدث، أو لأنه بيمثل منهج في السياسة قائم على الحوار ونبذ العنف والتفاوض وغيرها من الأساليب المدنية.
- ودا منهج بيرفضه الرئيس اللي شايف أنه "البلد ليها أصحاب" ومؤمن بالحق الوطني للعسكريين في السلطة، على غرار الحق الإلهي للملوك في الحكم، ومن الجذر العقائدي دا بيصدر عن الرئيس أشد العبارات غرابة على أسماع المصريين عن حديث ربنا ليه وكلامه معاه، و"فهمناها سليمان"، وغيرها من الأشياء الغريبة.
**
- تزوير التاريخ جزء من المشترك العام بين الأنظمة الاستبدادية، ودا لأنه الدكتاتورية مش شأن شخصي ولا سمات أفراد بعينهم، بقدر ماهي طريقة في التفكير، وأسلوب في التصرف، بمقتضاها لازم يبقى فيه تحديد فضفاض للخصوم الخارجيين، وتحديد صارم للخصوم الداخليين من "أعداء للشعب".
- وبالتالي تتحول الدولة من جهاز سياسي للمجتمع كله، بيعبر عن جميع المصريين مهما اختلفوا مع رأس السلطة، إلى أداة تنفيذية في يد شخص واحد، وبتتحول مهمة المؤسسات من تطبيق القانون إلى إرضاء الرئيس ولو على حساب النزاهة والحقيقة وأي قيمة أخلاقية تواضع عليها البشر.
**
- زي ما قولنا النظام الحالي مش نشاز في تزوير التاريخ والتلاعب بعناصره لخدمة الرئيس، وواقعة تشويه صورة 3 يوليو بتفكرنا بظاهرة محو أعداء ستالين من التاريخ السوفييتي والأرشيف المصور لروسيا ستالين.
- ودي كانت ظاهرة شهيرة في الاتحاد السوفييتي في حقبة "التطهير" ما بين عامي 1929 و1953، لما بدأت الأجهزة الأمنية تعتقل وتقتل كل من يخالف ستالين الرأي، باعتبارهم - "أعداء الشعب"، وقام جيش من الرسامين والفنانين بإزالة أثر كل من يخالف الزعيم الأوحد من الأرشيف الرسمي للدولة.
- وعلى الرغم من أنه الممارسة دي طهرت التاريخ الرسمي لروسيا ووسائل الإعلام كلها من صور المعارضين، إلا أنها فشلت في النهاية، وبمجرد موت ستالين في 1953 عادت الصور الأصلية اللي شملت المعارضين للواجهة، وفشلت كل الجهود الأمنية في خلق واقع بديل عن اللي حصل تاريخيًا في روسيا.
- للأسف الديكتاتوريين بيتعلموا من بعض، لكنهم مش بيتعظوا من بعض، لكن إذا كانت الحقائق التاريخية انتصرت في روسيا السوفيتية في عصر الرقابة المطلقة على الإعلام، فما بالنا بعصر الإنترنت ووسائل التواصل؟
- ممارسة زي دي في 2024 فاشلة بامتياز، وبلا قيمة، وإن كانت فرصة أننا نقول للقائمين على الأمر إن تاريخ المصريين ملك لهم جميعًا، وغير مسموح بمحاولة تزويره لإرضاء أي شخص مهما كان وضعه الوظيفي.
#الموقف_المصري
https://x.com/AlmasryAlmawkef/status/1871475105668219016