الأربعاء، 30 ديسمبر 2020

مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط: الطغاة الجدد استولوا على مستحقات الشعوب العربية الديمقراطية بعد الربيع العربى وأعادوا الأنظمة الطاغوتية تحت دعاوى تخويفها من مصير سوريا أو اليمن أو ليبيا دون معالجة الأسباب التي أدت أصلاً الى الثورات العربية فكانت النتيجة ظهور موجة جديدة من الثورات العربية منذ عام ٢٠١٩ لأن الوضع الاستبدادي القائم فى العديد من الدول العربية غير قابلاً للاستمرار


مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط:

الطغاة الجدد استولوا على مستحقات الشعوب العربية الديمقراطية بعد الربيع العربى وأعادوا الأنظمة الطاغوتية تحت دعاوى تخويفها من مصير سوريا أو اليمن أو ليبيا دون معالجة الأسباب التي أدت أصلاً الى الثورات العربية فكانت النتيجة ظهور موجة جديدة من الثورات العربية منذ عام ٢٠١٩ لأن الوضع الاستبدادي القائم فى العديد من الدول العربية غير قابلاً للاستمرار


موقع مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط / مرفق الرابط


كُتِبت تحليلات عدة لمناسبة مرور عشر سنوات على الثورات العربية التي بدأت في تونس في شهر كانون الأول (ديسمبر) عام ٢٠١٠ وامتدت لأن تشمل إما احتجاجات واسعة أو تغييراً في أنظمة الحكم لأكثر من 12 بلداً عربياً. اعتمدت معظم هذه التحليلات على التغيرات الآنية التي حدثت في هذه البلدان، كما جاءت باستنتاجات تغلب فيها رؤية الأمور بالأبيض والأسود فقط، وتخلص إلى أن الاضطرابات التي شهدها العالم العربي ما هي إلا دليل على أن ما مرت به المنطقة هو خريف ودمار عربي، و ليترحم الكثيرون على ما كانت عليه المنطقة قبل بدء هذه الثورات.

أزعم أن مثل هذه القراءة تكاد تكون سطحية، وتتجاهل الدروس التاريخية العديدة التي تعلمنا بأن أياً من موجات التغيير في التاريخ لم تنته باستقرار او ازدهار في فترة قصيرة مدتها عشر سنوات. كما ليس بالضرورة أن تنتهي كل موجة احتجاجية باستقرار أو إزدهار. وكما كتبت قبل سنوات في كتابي الثاني "اليقظة العربية الثانية والمعركة من أجل التعددية"، "قد يكون من المبالغ به الى حد كبير ان نتوقع من الناس أن يكون لديهم منظور تاريخي لما حدث منذ العام ٢٠١١. إن فترة انتباه الناس قصيرة، وصبرهم حتى أقصر ... قلة من الناس لديها الوقت للنقاشات التاريخية أو للتفسيرات التحليلية".

ومع ذلك، فقد علمتنا الثورات العربية الكثير خلال عشر سنوات، على الأقل لمن يريد أن يتعلم، وقدمت دروساً من الضروري الاستفادة منها حتى تكون العقود القادمة أكثر سلمية وازدهاراً.

الدرس الأول أن الوضع القائم لم يكن قابلاً للاستمرار لأن جُلّ الانظمة العربية يغلب عليها الطابع السلطوي، ولم تتمكن من محاكاة الهموم اليومية للناس وتوفير العيش الكريم لها ومحاربة الفساد المتفشي بطريقة منهجية. تُشكل هذه الحقيقة نقطة الانطلاق، وذلك رداً على من يتمنى ارجاع عقارب الساعة للوراء وتجاهل الأسباب الرئيسية، أي ضعف المؤسسة والحاكمية الرشيدة، التي أدت الى اندلاع الثورات بالدرجة الأولى. أما وقد طالت هذه الاحتجاجات أكثر من 12 دولة، فقد تراجعت الحجة القائلة أن الموضوع ليس إلا مؤامرة خارجية، بمعنى أن الشعوب العربية تساق هكذا دون أن يكون لها قرارها الذاتي. هذا لا ينفي بالطبع بروز تدخلات خارجية في العديد من الدول كليبيا وسوريا واليمن، ولكنها أتت استغلالاً لهذه الثورات، وليست مسببة لها. وقد أدت القراءة الخاطئة لقوى الوضع القائم إلى عودة الناس لبيوتها في العديد من الدول خوفاً أن تلقى دولها مصير سوريا أو اليمن أو ليبيا، الى رجوع هذه الأنظمة لأساليبها السلطوية، دون معالجة الأسباب التي أدت أصلاً للثورات العربية. فكانت النتيجة ظهور موجة جديدة من الثورات عام ٢٠١٩، وذلك في السودان والجزائر والعراق ولبنان.

الدرس الثاني أن قوى الوضع القائم متجذرة في العالم العربي إلى حد كبير، وأنها قادرة في معظم الاحيان، حتى عندما تتعرض لهزات كبيرة كما في مصر أو الجزائر أو سوريا مثلاً، الى استعادة قواها واساليبها، مستفيدة من قلة خبرة وتنظيم الاحتجاجات الشعبية ضدها. كما من الواضح أن هذه القوى لا تملك رغبة او ارادة اصلاحية، وأنها تعتقد بأن بإمكانها استخدام الاساليب الامنية والسلطوية لإدامة الاستقرار ولو بالقوة، وأن بناء المؤسسات الحقيقية وانظمة الفصل والتوازن وسيادة القانون على الجميع ليس من أدبياتها ولن يكون.

أما الدرس الثالث والأساسي فهو أن الاحتجاجات والثورات بحد ذاتها لا تؤدي الى بناء دول حداثية قوامها مؤسسات راسخة وسيادة القانون واحترام التعددية، وان ذلك يحتاج الى أطر فكرية وتنظيمية، وإلى الوقت الكافي لنضوجها. لم يهتم الجيل الجديد بهذا في الغالب. ولم يُساعد الغياب الفاعل للحياة الحزبية ومؤسسات المجتمع المدني، في تحويل هذه الاحتجاجات الى بدائل مقنعة لعامة الناس، وبذلك فقد خبا نجم الاحتجاجات في كافة هذه الدول. وبعدما خرج الجزائريون للشارع بمسيرات مليونيه كل يوم جمعة على مدى أكثر من عام، لم ينجحوا في تحقيق التغيير الذين كانوا يطالبون به. وفي لبنان، فإن ثورة تشرين الاول عام ٢٠١٩ خبت هي الاخرى. في معظم هذه الدول باستثناء تونس، كان المحتجون أقدر على تعريف ما هم ضده من تقديم ما هم معه من برامج وحلول. لا يعني ذلك أن الثورات العربية انتهت، و طالما لم تعالج المسببات التي أدت لهذه الثورات، فسيشهد العالم العربي موجات ثالثة ورابعة وخامسة.

كيف يكون الحل إذا وما هي أدواته؟ فان سلمنا أن عقارب الساعة لا تعود للوراء، وإن الاحتجاجات الشعبية دون تأطير فكري وسياسي وتنظيمي لا تؤدي الى تغيير ايجابي في معظم الاحيان، وأن الانظمة السلطوية قادرة على وأد أي محاولة لإنشاء أطر تنظيمية تقليدية كالأحزاب مثلا، فكيف السبيل لطرق سلمية فاعلة تعترف بصعوبة الواقع ولكنها لا تقف عنده؟

أعتقد أن أمام الجيل الجديد مهمة شاقة تبدأ بالاعتراف بأنه ما من طرق مختصرة للديمقراطية والازدهار، وأن الطريق يبدأ من تثقيف نفسه فكرياً واستيعاب المبادئ الحقيقية للديمقراطية والايمان بها فعلاً لا قولاً، ثم بناء أطر تنظيمية غير تقليدية لا تستطيع الانظمة السلطوية التقليدية السيطرة عليها، أطر تمكنه من الحوار والمناقشة وتطوير نفسه فكرياً وتنظيمياً، وصولاً الى تقديم بدائل مقنعة لعامة الناس، فلا يمكن للأطر الفكرية أن تبقى أسيرة العقول النخبوية، بل يجب العمل الدؤوب لتوعية الناس كيف تؤدي التعددية والمدنية الديمقراطية لتحسين حياتهم اليومية.

هذه المهمة ليست أهلاً لأصحاب القلوب الضعيفة، أو لمن أعتبرهم الرومانسيين الحقيقيين، أولئك الذين يستسلمون أمام الصعاب الجمة التي تعترض طريق الديمقراطية، وبخاصة بالتزامن مع الأحوال الاقتصادية الصعبة. حان الوقت كي يدرك الجيل الجديد في العالم العربي أن الطريق طويل وشاق، وأن الوصول لعالم عربي مستقر ومزدهر يتطلب عقوداً من الزمن، ولن يتحقق في حياة الكثيرين، بمن فيهم ابناء وبنات جيلي.

التوعية والاستعداد والتثقيف وبناء البرامج المقنعة واستخدام وسائل الاتصال الحديثة كلها عوامل تساهم في خلق جيل جديد مختلف ينشد الحوكمة الرشيدة والسلمية والتعددية والتشاركية والانتاجية في الوقت ذاته، فهي الأسس التي سيقوم عليها أي ازدهار مستقبلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.