مؤسسة حرية الفكر والتعبير:
التقرير الربع سنوي الأول عن حالة حرية التعبير في مصر (يناير – مارس – 2022)
استمرت السلطات المصرية خلال الربع الأول من 2022 في فرض قيود قمعية على حقوق المواطنين السياسية والمدنية وعلى رأسها حرية التعبير بكافة صوره وأشكاله، مستهدفة بذلك كافة منافذ التعبير التقليدية، كالتظاهر والتجمع السلمي وحرية الإعلام والإبداع الفني، أو الجديدة كمنصات التواصل الاجتماعي التي تستهدفها السلطات المختلفة بشكل مكثف خلال السنوات الأربع الماضية، راغبة في الحد من تدفق المعلومات المخالفة للروايات الرسمية حول أية أحداث، والحد من مشاركة الأفراد بآرائهم حول السياسات الحكومية في كافة المجالات.
خلال هذا الربع رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير استمرار الأجهزة الأمنية في استهداف المواطنين بشكل عشوائي في أغلبية الوقائع، بعد تعقب تدويناتهم المعارضة على مواقع التواصل الاجتماعي واستخدام الحبس الاحتياطي للتنكيل بهم، بينما نشطت السلطات القضائية في استخدام قانون جرائم تقنية المعلومات، في استهداف مستخدمات تطبيقات التواصل الاجتماعي ومساعديهم تحت دعاوى فضفاضة، تتعلق بما أسمته النيابة نشر الفسق والفجور وحماية قيم وأخلاق المجتمع المصري.
ولم تكتفِ الأجهزة الأمنية بتضييق الخناق على عمل الصحفيين خلال نفس الربع، بل اضطلعت باستهداف مواطنين قاموا بنشر ڨيديوهات عن تعذيبهم داخل أحد أقسام الشرطة في محافظة القاهرة، بعد نشر جريدة الجارديان البريطانية تقريرًا تناول محتوى تلك الڨيديوهات. وبدلًا من فتح تحقيقات قضائية جادة حول الوقائع محل مقاطع الڨيديو، جرى تقديم كل من ظهر بتلك المقاطع إلى نيابة أمن الدولة العليا باتهامات نشر أخبار كاذبة قبل أن تأمر بحبسهم احتياطيًّا.
وعلى مستوى الحق في التظاهر والتجمع السلمي شهد نفس الربع استهداف الأجهزة الأمنية مواطنين أقباطًا شاركوا في تجمع سلمي يطالب بإعادة بناء كنيستهم التي دمرها حريق خلال عام 2016.
وعلى مستوى السلطات التشريعية، فقد وافقت اللجنة الدينية لمجلس النواب من حيث المبدأ على إجراء تعديلات على ثلاثة مواد في قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 51 لسنة 2014 والمعني بتنظيم الخطابة والدروس الدينية في المساجد أو ما في حكمها، لتحصر التعديلات الحديث في المسائل الدينية على المتخصصين الحاصلين على تراخيص من الأزهر والأوقاف، ويزج بالسجن كل من يخالف ذلك أو يخالف ما تسميه التعديلات “صحيح الدين” أو “يثير الفتنة”، وهي المصطلحات التي تفتح الباب أمام استهداف أي آراء دينية مخالفة للآراء الرسمية، خاصة تلك المنشورة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
ينقسم هذا التقرير إلى خمسة أقسام، تحاول من خلالهم المؤسسة تسليط الضوء على أبرز السياسات العامة تجاه حرية التعبير فضلًا عن عرض وتحليل لأبرز أنماط الانتهاكات التي ترتكبها السلطات والأجهزة المختلفة والتي تتعلق بحرية التعبير والحق في التظاهر والتجمع السلمي.
منهجية
اعتمد التقرير على عرض وتحليل السياسات العامة للسلطات المصرية وأجهزتها المختلفة تجاه الحق في حرية الفكر والتعبير بصوره المتعددة. وتحديدًا ملفات: حرية الصحافة والإعلام، حرية الإبداع والتعبير الفني، حرية التعبير الرقمي، الحريات الأكاديمية والحقوق الطلابية، الحق في الوصول إلى المعلومات، وأخيرًا، الحق في التظاهر والتجمع السلمي. وهي الملفات التي تعمل مؤسسة حرية الفكر والتعبير على رصد وتوثيق الانتهاكات الخاصة بها، فضلًا عن تقديم الدعم القانوني إلى ضحايا تلك الانتهاكات عبر شبكة محامي وحدة المساعدة القانونية بالمؤسسة.
كذلك اعتمد التقرير على عرض وتحليل أنماط ووقائع الانتهاكات التي جرى رصدها وتوثيقها، خلال الفترة من 1 يناير 2022 إلى 31 مارس 2022، وفقًا لمنهجية الرصد والتوثيق الخاصة بمؤسسة حرية الفكر والتعبير[1].
القسم الأول: تعديلات تشريعية تمنع الحديث في المسائل الدينية، والأجهزة الأمنية تستمر في قمع حرية التظاهر.
دينية النواب توافق على وضع قيود جديدة على “الحديث في الشأن الديني”
في 20 فبراير الماضي وافقت اللجنة الدينية بمجلس النواب على مشروع القانون المقدم من النائب طارق رضوان وستون نائبًا لتعديل بعض أحكام قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 51 لسنة 2014 بشأن تنظيم الخطابة والدروس الدينية في المساجد وما في حكمها[2]. وجاءت التعديلات التي وافقت عليها اللجنة من حيث المبدأ في المواد 1، 2، و5، لتضع مزيدًا من القيود على حق المواطنين في إبداء رأيهم حول القضايا الدينية المختلفة، خاصة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ولتفتح الباب أمام استهداف أصحاب المعتقدات المختلفة مع التوجهات الدينية الرسمية، حيث ينص تعديل المادة الثانية من القانون على عدم السماح لغير المعنيين والمتخصصين الحاصلين على ترخيص من مشيخة الأزهر أو وزارة الأوقاف حسب الأحوال على التحدث في الشأن الديني بوسائل الإعلام المختلفة بما فيها الإلكترونية.
بينما جاء تعديل المادة الخامسة ليضع الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على 100 ألف في حالة “ممارسة الخطابة أو أداء الدروس الدينية بالمساجد والأماكن العامة ودور المناسبات وما في حكمها والتحدث في الشأن الديني بوسائل الإعلام بدون تصريح أو ترخيص أو أثناء إيقاف أو سحب الترخيص”.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تنطبق تلك العقوبات مع تغليظها لتصل إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، حسب تعديلات نفس المادة على “كل من أبدى رأيًا مخالفًا لصحيح الدين، أو منافيًا لأصوله أو مبادئه الكلية المعتبرة، إذا ترتب على آرائه إشاعة الفتنة أو التحريض على العنف والحض عليه بين أبناء الأمة، بالمخالفة لحكم المادة الثانية من هذا القانون، وتضاعف في حالة العود، وتصل للأشغال الشاقة المؤبدة”، وهو الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه للتنكيل بالمعبرين عن آرائهم في المسائل الدينية بمن فيهم من حاملي التصريح من قبل الجهات التي حددها القانون، تحت دعاوى فضفاضة قاتلة للتنوع ونقد الأفكار الدينية السائدة كمخالفة “صحيح الدين”، و”إشاعة الفتنة”.
كما أعطت التعديلات قدسية للزي الأزهري تتعارض وحرية التعبير، حيث نصَّت التعديلات على الحبس من ستة أشهر إلى سنة في حالة ارتدائه من غير خريجي الأزهر، أو القيام عمدًا بـ”إهانته أو ازدرائه أو الاستهزاء به”.
وبالرغم من تناغم تلك التعديلات مع المناخ السياسي العام داخل مصر خلال الأعوام التسعة الماضية، القائم على فرض رأي واحد وقتل التنوع وتعدد الآراء حول جميع المسائل فإنه يتناقض مع التصريحات الإيجابية التي صدرت عن الرئيس المصري[3] بشأن حرية المعتقد خلال تعليقاته، أثناء إحدى ندوات إطلاق الإستراتيجية المصرية لحقوق الإنسان، وهو ما يؤكد صحة النظر إلى تلك التصريحات في إطار مجرد التسويق لوهم تبني النظام المصري مقارباتٍ جديدةً حول ملفات حقوق الإنسان.
وتأتي تلك التعديلات في وقتٍ يتعرض فيه كثيرون لانتهاكات على خلفية تعبيرهم عن آرائهم في مسائل دينية مختلفة، ولعل آخر تلك الوقائع، ما تعرض له الإعلامي إبراهيم عيسى خلال الربع الأول من العام الجاري، حيث أمر النائب العام[4] بفتح تحقيقات معه على خلفية آراء أدلى بها خلال برنامجه حديث القاهرة والذي يذاع على قناة “القاهرة والناس”، ينتقد فيها رجال الدين والشيوخ، مؤكدًا على عدم حاجة الناس إليهم في هذا الزمان، واستطرد عيسى بأنهم يروجون قصصًا وهمية بها نقصان، ودلل على ذلك برواية الإسراء والمعراج، حيث أكد عيسى على عدم وجود ما يؤكد حدوث المعراج في كتب التاريخ والسيرة، في حين ينتقي رجال الدين الكتب التي تؤكد على حدوث المعراج، على حد وصفه.
استمرار خنق حق المواطنين في التظاهر والتجمع السلمي
وعلى صعيد الحق في التظاهر والتجمع السلمي تستمر الأجهزة الأمنية في الاعتداء على هذا الحق، حيث رصدت المؤسسة خلال الربع الأول إلقاء الأجهزة الأمنية القبض على تسعة أقباط: منير سمير منير، ريمون ممدوح وليم، جيد سعد ذكري، ميلاد محروس توفيق، أبانوب مجدي سمعان، جرجس سمير جرجس، شنودة صليب حسني، مينا صليب حسني، وميلاد رضا توفيق – في 30 يناير الماضي، من منازلهم، على خلفية تجمع سلمي لعشرات من أقباط عزبة فرج الله، دلقام، التابعة لمركز سمالوط في محافظة المنيا، داخل مطرانية سمالوط، في 22 يناير، للمطالبة بإعادة بناء كنيسة القديس يوسف أبو سيفين بالعزبة بعد تدميرها إثر حريق نشب فيها عام 2016، لم يعرف سببه إلى الآن، وفقًا لبيان نشرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية[5]. في اليوم التالي أقام عدد من أقباط العزبة صلاتهم في إحدى الأراضي داخل العزبة في محاولة للفت الانتباه إلى مطالبهم قبل أن يأتي إليهم أحد الآباء وينصحهم بالانصراف وأنه سيتم التوصل إلى حل قريب لتلك المشكلة وهو ما استجاب له الأهالي.
عُرض المقبوض عليهم التسعة على نيابة أمن الدولة العليا خلال الثاني والثالث من فبراير الماضيين متهمين على ذمة التحقيقات في القضية رقم 65 لسنة 2022 حصر نيابة أمن الدولة العليا. واجهتهم النيابة باتهامات، من بينها الاشتراك في تجمهر من شأنه تعريض الأمن العام للخطر، ارتكاب عمل إرهابي الغرض منه الإخلال بالأمن العام، وتدبير تجمهر يؤثر على السلطة العامة. ولا يزال الأقباط التسعة قيد الحبس الاحتياطي حتى صدور هذا التقرير، وفقًا لأحد المحامين تحفَّظ على ذكر اسمه.
وتقيد مصر حق المواطنين في التظاهر والتجمع السلمي، عن طريق القانون رقم 107 لسنة 2013 والمعروف باسم “قانون التظاهر” والذي أقره الرئيس السابق عدلي منصور في نوفمبر من عام 2013، وسط اعتراضات حزبية وحقوقية ترى أن القانون كبَّل بشكل تام حق المواطنين في التظاهر والتجمع السلمي بشكل فعلي، إذ استخدمت السلطات المصرية – وفقًا للقانون – القوة في فض أي تظاهرات أو تجمعات للمواطنين منذ وقتها وإلى الآن. كما سمح لها القانون بملاحقة الداعين إلى التظاهرات والمشاركين فيها وأقر سلب المواطنين حقهم في التظاهر والتجمع السلمي. وحاولت قوى سياسية معارضة التظاهر ملتزمين ببنود هذا القانون إلا أنها فشلت في ذلك، بعد رفض السلطات المصرية الموافقة على تلك التظاهرات.
القسم الثاني: حرية الإعلام
شهد الربع الأول من العام الحالي استمرار الأنماط الاعتيادية والمتكررة للانتهاكات على الصحفيين فقد رصدت المؤسسة 7 وقائع انتهاكات على الصحفيين والمصادر الصحفية اشتملت على 18 انتهاكًا على الأقل، جاءت متنوعة ما بين منع الصحفيين من القيام بعملهم، ووقف إعلاميين بشكل مؤقت، إلا أن أبرز تلك الوقائع كانت واقعة إحالة عدد من المواطنين والمسجونين الجنائيين في قسم السلام أول في محافظة القاهرة إلى نيابة أمن الدولة العليا على خلفية تقرير صحفي نشرته جريدة الجارديان عن ڨيديو يتضمن وقائع تعذيب لعدد من المساجين الجنائيين داخل قسم دار السلام. وفيما يلي أبرز أنماط تلك الانتهاكات.
أبرز أنماط الانتهاكات بملف حرية الإعلام:
المجالس الإعلامية مستمرة في التضييق على عمل الإعلاميين
تستمر المجالس الإعلامية في فرض مزيد من القيود على حرية الصحافة والإعلام تحت دعاوى فضفاضة واتهامات تندرج تحت حرية التعبير، حيث رصدت المؤسسة قرارين لكلٍّ من نقابة الإعلاميين والهيئة الوطنية للإعلام ضد اثنين من المذيعين. حيث أصدرت نقابة الإعلاميين قرارًا عاجلًا[6] بإيقاف مقدم برنامج “الماتش” على قناة صدى البلد، هاني حتحوت، ومنعه من الظهور على الشاشات المصرية إلى حين التحقيق معه، وفقًا لبيان النقابة رقم 5 لسنة 2022، لمخالفته ميثاق الشرف الإعلامي ومدونة السلوك المهني وعدم تقنين أوضاعه مع النقابة، حيث ذكر البيان قيام المرصد الإعلامي التابع للنقابة برصد تجاوزات مهنية وخرقًا لميثاق الشرف الإعلامي ومدونة السلوك المهني. يأتي ذلك عقب تصريحات لحتحوت خلال برنامجه ينتقد فيها رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور ويرد على هجومه عليه. لاحقًا وفي 24 فبراير 2022، أصدر نقيب الإعلامين، طارق سعدة، القرار رقم 7 لسنة 2022 بإيقاف حتحوت لمدة أسبوعين يبدأ في 25 من شهر فبراير وينتهي في 12 مارس 2022 حسب القرار، امتثل حتحوت للتحقيق في مقر النقابة وأقرَّ بما هو منسوب إليه من مخالفة لميثاق الشرف الإعلامي في باب الواجبات الفقرة (5) والتي تنص على احترام آداب الحوار الإعلامي وتجنب الدخول في ملاسنات وخلافات شخصية. كما خالف حتحوت مدونة السلوك المهني (البند التاسع) الذي ينص على الالتزام بعدم الدخول في ملاسنات أو مشاحنات إعلامية وعدم استخدام مساحات النشر أو أوقات العرض في طرح خلافات شخصية أو معارك أو مصالح خاصة.
وعلى جانب آخر أصدرت الهيئة الوطنية للإعلام في 8 فبراير الماضي قرارًا بإيقاف المذيع ببرنامج صباح الخير يا مصر على القناة الأولى، حسام حداد، عن العمل وإحالته إلى التحقيق[7] لما بدر منه في إحدى حلقات البرنامج تعقيبًا على مشاركة النادي الأهلي في كأس العالم للأندية، حيث عبَّر عن أن النادي الأهلي لا يمثل مصر في تلك البطولة بل يمثل نفسه ثم ينسب إلى مصر، كما أضاف متسائلًا هل يجب على جمهور الزمالك تشجيعه، قبل أن يجيب بالرفض. وهو الأمر الذي صنفته الهيئة على أنه يغذي التعصب الكروي.
منع الصحفيين ووسائل الإعلام من التغطية
وعلى مستوى آخر يُعد المنع من التغطية واحدًا من أكثر الانتهاكات اعتيادية ضد حرية الصحافة خلال السنوات السبع السابقة، وهو الانتهاك الذي يتضاد بشكل كامل مع حرية الصحافة وحق المواطنين في المعرفة وتداول المعلومات خاصة في تلك القضايا المتهم فيها مسؤولون حكوميون، فقد رصدت المؤسسة في 15 فبراير 2022 قرار محكمة استئناف القاهرة بحظر النشر في القضية المشهورة بـ”قضية آثار شقة الزمالك” والتي يحاكم فيه المستشار السابق أحمد عبد الفتاح وزوجته لاتهامهما بالاتجار في الآثار وهي القضية التي شغلت الرأي العام لمدة طويلة بعد العثور على مئات من القطع الأثرية داخل إحدى الشقق التي يملكها بمنطقة الزمالك في محافظة القاهرة[8].
وفي نفس السياق ذكرت بوابة الشروق في 23 يناير الماضي عن مصدر أمني[9]، منع هيئة محكمة جنايات القاهرة الصحفيين ووسائل الإعلام المختلفة من الدخول لتغطية وقائع جلسة محاكمة المسؤولين بوزارة الصحة المتهمين بالفساد، وهي القضية المتورط فيها مدير مكتب وزيرة الصحة هالة زايد وزوجها السابق، وهي القضية التي حصلت بعدها الوزيرة على إجازة مرضية طويلة وكلف بإدارة الوزارة بشكل مؤقت وزير التعليم العالي.
وفي 1 يناير 2022 منعت قوات تأمين محكمة جنايات الجيزة الصحفيين ووسائل الإعلام المختلفة من حضور جلسة محاكمة المتهم بالتسبب في حادثة الشيخ زايد والتي راح ضحيتها 4 أشخاص. وذكرت بوابة الشروق أن قرار المنع جاء من رئيس المحكمة[10].
نيابة أمن الدولة تتهم ما لا يقل عن 11 شخصًا بنشر أخبار كاذبة على خلفية تقرير بالجارديان
ومن ناحية أخرى لم يعد الصحفيون فقط من يتم استهدافهم على خلفية أعمال صحفية، بل تستهدف الأجهزة الأمنية والسلطات القضائية حتى أولئك الذين تكتب عنهم الصحافة، فقد رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير خلال الربع الحالي ظهور ما لا يقل عن 11 شخصًا أمام نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس خلال الفترة من 16 فبراير إلى الأول من مارس، متهمين على ذمة التحقيقات في القضية رقم 95 لسنة 2022 حصر نيابة أمن الدولة العليا، وفقًا لمحامي أحد المتهمين تحفظ على ذكر اسمه، على خلفية اتهامات من بينها: مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، تمويلها، نشر أخبار كاذبة، وحيازة وسيلة للنشر بغير الطريق القانوني وفي غير الأماكن المخصصة قانونيًّا.
ويعود سبب استهداف هؤلاء الأشخاص والمحبوس أغلبيتهم على ذمة قضايا جنائية إلى نشر جريدة الجارديان الإنجليزية تقريرًا في 24 يناير الماضي تناول مقطعين ڨيديو حصلت عليهما الجريدة يظهر تعرض عدد من المساجين الجنائيين داخل قسم السلام أول في محافظة القاهرة للتعذيب على أيدي ضباط مباحث القسم وهو الأمر الذي نفته وزارة الداخلية عبر بيان رسمي مقتضب نشرته الوزارة على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مؤكدة على ما أسمته “فبركة” مقاطع الڨيديو، بهدف نشر الشائعات والأكاذيب، حيث تم نشرهما على صفحة التواصل الاجتماعي لأحد العناصر الإرهابية الهاربة خارج البلاد.
كان عدد من المساجين الجنائيين قد قاموا بتصوير عدة ڨيديوهات يظهر فيها عدد من المساجين يكشفون عن آثار كدمات على أجسادهم متهمين ضباط مباحث القسم بضربهم بالشوم، بينما أظهر مقطع ڨيديو آخر اثنين من المساجين معلقين بأذرعهم المعقودة خلف ظهرهم بشبكة معدنية. تم نشر تلك الڨيديوهات والتي حصلت الجارديان على نسخ منها على إحدى القنوات بموقع “يوتيوب” تسمى “تسريبات تعذيب قسم السلام”.
واتهمت نيابة أمن الدولة كل الشخصيات التي ظهرت وجوههم في المقطعين المصورين بمن فيهم من تم إطلاق سراحهم في القضية الجنائية التي كان محبوسًا على ذمتها، بينما ألقت وزارة الداخلية القبض على كل من أرسل إليهم تلك المقاطع خارج السجن.
جدير بالذكر أنه لم تتحرك أية جهة قضائية للتحقيق في صحة وقائع التعذيب التي اشتملت عليها مقاطع الڨيديو المنشورة، وأن التحرك الوحيد الذي تم هو ما قامت به نيابة أمن الدولة العليا في استهداف كل المرتبطين بنشر تلك الڨيديوهات سواء ظهروا فيه أو أرسل إليهم عن طريق أحد المساجين وهو ما يبرز الدور الذي تقوم به السلطات القضائية خلال السنوات السبع الماضية كأداة في أيدي الأجهزة الأمنية لعقاب كل خارجٍ عن توجهاتها، أو فاضحٍ للممارسات الأمنية القمعية تجاه المواطنين.
القسم الثالث: الحقوق الرقمية
استمرت السلطات المصرية خلال الربع الأول من 2022 في استهداف مستخدمي الإنترنت على خلفية نشر محتوى سياسي مناهض للسياسات الحكومية في جانب، وفي جانب آخر على خلفية نشر محتوى تدَّعي النيابة العامة مخالفته لما أسمته “قيم الأسرة المصرية”. وسجلت مؤسسة حرية الفكر والتعبير ما لا يقل عن 12 واقعة انتهاك اشتملت على 13 انتهاكًا قامت الأجهزة الأمنية بارتكاب أغلبها عبر القبض على مواطنين، على خلفية اتهامهم بنشر أخبار كاذبة، لنشرهم تدوينات مناهضة للسياسات الحكومية، في حين ارتكبت السلطات القضائية أربعة انتهاكات على ناشري المحتوى على تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، وتأييد محكمة النقض حكم السجن على الحقوقية أمل فتحي على خلفية ڨيديو على موقع يوتيوب، تنتقد فيه انتشار ظاهرة التحرش في مصر وعدم تحرك السلطات المصرية بشكل جدي لمواجهة تلك الظاهرة.
ولا تختلف أنماط الانتهاك خلال الربع الأول عن مثيلاتها خلال الأعوام الخمس الماضية، حيث تنشط السلطات المصرية في استهداف مستخدمي الإنترنت باعتباره آخر منافذ التعبير أمام المصريين بعدما نجحت في غلق الفضاءات العامة التقليدية، كالحق في التظاهر والتجمع السلمي وكذلك خنق حرية الإعلام بشكل كامل، عبر عدد من الإجراءات القمعية وغيرها من الفضاءات العامة التي تعرضت لإجراءات قمعية عديدة. وفي سبيل تأميم الفضاء الإلكتروني تستخدم السلطات المصرية العديد من أنماط الانتهاكات نستعرضها فيما يلي.
أبرز أنماط الانتهاكات خلال الربع الأول:
استهداف الأفراد على خلفية تعبيرهم عن آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي
استمرت الأجهزة الأمنية خلال الربع الحالي، في تعقب تدوينات الأفراد المناهضة للسياسات الحكومية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث سجلت المؤسسة إلقاء قوة من الشرطة القبض على عضو حزب الدستور هيثم البنا في الثلاثين من يناير الماضي من منزله بمنطقة المنيل في محافظة القاهرة[11]. لم يعرض البنا على أي جهة تحقيق لمدة 9 أيام حتى ظهر أمام نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس متهمًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 41 لسنة 2022 حصر نيابة أمن الدولة العليا. اتهمت نيابة أمن الدولة العليا البنا بالاتهامات المعتادة والتي منها: الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار وبيانات كاذبة عبر استخدام حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” حيث واجهته النيابة بعدة مطبوعات تتعلق بذكرى ثورة يناير، قبل أن تأمر نيابة أمن الدولة بحبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات في القضية. لاحقا أخلي سبيل البنا، أثناء الإعداد لصدور هذا التقرير.
وفي نفس السياق ألقت قوة من الشرطة القبض على محمود حسن شكري البالغ من العمر 51 عامًا من منزله في محافظة الإسكندرية[12] في 22 يناير الماضي. احتجز شكري بمقر الأمن الوطني بسموحة بشكل غير قانوني حيث جرى استجوابه حول عدة تدوينات نشرها على حسابه الشخصي على فيسبوك وظل محتجزًا هناك إلى أن ظهر معروضًا أمام نيابة أمن الدولة العليا في 21 فبراير 2022 والتي أمرت بحبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 93 لسنة 2022 حصر نيابة أمن الدولة العليا. وجهت نيابة أمن الدولة إلى شكري اتهامات، من بينها: الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة تدعم نشطاء سياسيين مثل علاء عبد الفتاح وأحمد دومة، بالإضافة إلى إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
ولا يتوقف تعقب حسابات التواصل الاجتماعي والتدوينات المناهضة للسياسات الحكومية أو تلك الفاضحة لممارسات أمنية قمعية على الناشطين أو المنضوين تحت أحزاب أو تنظيمات معارضة بل ينتشر التعقب العشوائي للتدوينات حتى على مواطنين ليس لهم أي نشاطات سياسية، بل تسجل المؤسسة استهداف أفراد مؤيدين للحكومة ولكن قاموا بنشر تدوينات حول أوضاعهم المعيشية، أو انتهاكات يتعرضون لها.
ففي 8 يناير 2022 ألقت قوة من الشرطة القبض على المحاسب إيهاب سعيد أحمد سعفان[13]، والذي يبلغ من العمر 43 عامًا من منزله في محافظة الشرقية. ظل سعفان قيد الاختفاء القسري لمدة ثلاثة أسابيع تقريبًا تعرض خلالها للتعذيب بالضرب والصعق بالكهرباء حسب محاميه، خلال استجوابه في مقر الأمن الوطني بالزقازيق حول نشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر. عرض سعفان على نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس في 31 يناير 2022 متهمًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 41 لسنة 2022 حصر نيابة أمن الدولة العليا. اتهمت النيابة سعفان بالانضمام إلى جماعة إرهابية وتمويلها، ونشر أخبار وبيانات كاذبة. نفى سعفان كل تلك الاتهامات خلال تحقيقات النيابة، مؤكدًا على دعمه للرئيس السيسي وأنه قام بانتخابه سابقًا ولا يوجد له أي نشاط سياسي.
بينما كانت واقعة القبض على المحرر الصحفي بجريدة المنار الدولية، عادل مرسي أحمد[14]، كاشفة إلى حد كبير توجه السلطات المصرية في تعقب تدوينات حتى الموالين للحكومة على خلفية نشرهم تدوينات تنتقد أداء بعض أفراد الشرطة. حيث يعمل مرسي بمجلة المنار الدولية والتي وصفها في التحقيقات بأنها جريدة قائمة على نشر الأخبار الخاصة بمشروعات وإنجازات الدولة، بالإضافة إلى بعض الأخبار الاجتماعية والفنية والرياضية، وهي حاصلة على كافة الموافقات الأمنية والتصاريح القانونية، كما أضاف مرسي أنه من أشد المؤيدين للرئيس السيسي وله العديد من المقالات المناهضة لجماعة الإخوان، إلا أن هذا لم يشفع له عندما قام بنشر استغاثة للقيادات الأمنية بمحافظة أسيوط عبر حسابه على موقع فيسبوك من تلفيق قضية له بمساعدة ضباط شرطة في مركز ديروط في نفس المحافظة. إلا أنه وعقب نشر الاستغاثة، فوجئ في الثامن والعشرين من شهر يناير الماضي بإلقاء قوة من الشرطة القبض عليه من منزله. عرض مرسي على نيابة أمن الدولة بعد يومين من القبض عليه متهمًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 41 لسنة 2022 حصر نيابة أمن الدولة العليا. واجهته النيابة بنفس الاتهامات المعتادة وهي الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة عبر فسيبوك بغرض تشويه صورة الدولة.
وفي سياق مختلف تستمر الأجهزة الأمنية في إيقاف المواطنين وتفتيش هواتفهم المحمولة وحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي والقبض عليهم في حالة إذا عثر على أية تدوينات مناهضة للحكومة، خاصة في ميدان التحرير ومنطقة وسط البلد، حيث رصدت المؤسسة القبض على عماد السيد علي رضوان في 28 يناير 2022 بعد توقيفه من قبل أفراد من الشرطة أثناء تواجده بمحيط ميدان التحرير[15] وتفتيش هاتفه المحمول وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي والعثور على تدوينات معارضة للسياسات الحكومية. عرض رضوان في اليوم التالي على نيابة قصر النيل متهمًا على ذمة القضية رقم 599 لسنة 2022 جنح قصر النيل والتي اتهمته بالترويج لجماعة إرهابية على شبكة التواصل الاجتماعي. في 28 فبراير من نفس العام قرر قاضي معارضات قصر النيل إخلاء سبيل رضوان بضمان محل إقامته، وهو القرار الذي استأنفت عليه نيابة قصر النيل قبل أن يتم رفض استئنافها من قبل محكمة جنح مستأنف البساتين في اليوم التالي، ليتم تأييد قرار إخلاء السبيل.
استمرار التنكيل بمستخدمات تطبيقات التواصل الاجتماعي ومساعديهم تحت دعاوى حماية قيم الأسرة المصرية
وعلى الجانب الآخر تستمر السلطات القضائية في استهداف صانعات المحتوى على تطبيقات التواصل الاجتماعي تحت دعاوى نشر الفسق والفجور وحماية أخلاق وقيم المجتمع المصري، حيث رصدت المؤسسة خلال الربع الأول من 2022 أحكامًا قضائية ضد اثنتين من صانعات المحتوى، ومساعد إحداهن، الأولى هي نانسي أيمن والشهيرة بـ”موكا حجازي” والتي أحالتها نيابة أحداث شمال الجيزة في 15 فبراير الماضي إلى محكمة الأحداث باتهامات، منها: اعتياد ممارسة الدعارة مع الرجال دون تمييز مقابل أجر مادي، وإعلانها عن نفسها بإحدى طرق العلانية دعوة تتضمن الإغراء لممارسة الفجور على النحو المبين من التحقيقات. وفي 24 من نفس الشهر وبعد أقل من 9 أيام على إحالتها، قضت محكمة أحداث الطفل بالجيزة بحبس حجازي لمدة ثلاث سنوات، بواقع سنة عن الاتهام الأول وسنتين عن الاتهام الثاني[16].
وترجع وقائع القبض على موكا إلى منتصف العام الماضي وتحديدًا في 8 يوليو 2021 حيث ألقت قوة من الإدارة العامة لمباحث الآداب القبض عليها أثناء تواجدها بميدان الحصرى في مدينة السادس من أكتوبر على خلفية رصد الأجهزة الأمنية ما تسميه بمقاطع ڨيديو منافية للآداب العامة على مواقع تيك توك وإنستجرام ويوتيوب.
تم تحرير محضر حَمَلَ رقم 5679 لسنة 2021 جنح أول أكتوبر وباشرت النيابة العامة التحقيق مع حجازي في اتهامات، من بينها: خدش الحياء العام، والتحريض على الرذيلة عن طريق نشرها ڨيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تأمر بإيداعها إحدى دور الرعاية على ذمة التحقيقات.
وتنشط حجازي والتي تبلغ من العمر 16 عامًا، على مواقع تيك توك وإنستجرام ويوتيوب عن طريق نشر ڨيديوهات راقصة. وتتفاعل حجازي على تلك المواقع مع تعليقات متابعيها.
وفي نفس السياق وخلال نفس الربع، حكمت محكمة الجنح الاقتصادية في الإسكندرية بتخفيف حكم الحبس على ياسمين عبد الرازق والشهيرة بـ”كائن الهوهوز”، ومساعدها أسامة[17] ليكون سنتين مع الغرامة بدلًا من ثلاث سنوات. كانت المحكمة الاقتصادية بالإسكندرية قد أمرت في سبتمبر الماضي بحبس عبد الرازق ثلاث سنوات وغرامة 200 ألف جنيه بعد اتهامها بالتحريض على الفسق والإخلال بالأدب الاجتماعي، وسوء استخدام وسائل الاتصال والإنترنت، وبث ڨيديوهات خادشة للحياء بهدف التربح.
وتعود وقائع القضية إلى منتصف العام الماضي، حيث ألقت قوة من الإدارة العامة لمباحث الآداب بالإسكندرية القبض عليها ومساعدها ويدعى أسامة، على خلفية عدة بلاغات تتهمها بنشر ڨيديوهات منافية للآداب العامة وقيم المجتمع، أبرز تلك البلاغات هو المقدم من قبل المحامي أشرف فرحات، والذي استهدف عدة صانعات محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي ضمن حملة يطلق عليها اسم “حملة تطهير المجتمع”. حمل بلاغه رقم 85101 عرائض مكتب فني النائب العام.
وتعود وقائع الحملة الأمنية على صانعات المحتوى على الإنترنت والتي وصل عدد المستهدفين/ات فيها إلى 19 فتاة ومساعديهم، إلى بدايات انتشار وباء كورونا في مصر مطلع عام 2020، وفرض واقع التباعد الاجتماعي، الأمر الذي زاد من انتشار بعض التطبيقات على الإنترنت وأبرزها تطبيق “تيك توك” نتيجة لجلوس المواطنين في منازلهم. وقد استغلت السلطات المصرية عبر النيابة العامة، والإدارة العامة لمباحث الآداب، وباء كورونا لبسط مزيد من الخطوط الحمراء على محتوى المواطنين على الإنترنت عبر استهداف عدد من مستخدمي/ات تلك التطبيقات تحت دعاوى نشر الفسق والفجور، والاعتداء على الأخلاق والقيم المجتمعية.
وارتكزت النيابة العامة في حملتها على مستخدمي/ات تلك التطبيقات على مجموعة من التشريعات التي سنَّتها السلطات المصرية والتي كان الهدف منها التضييق على مرتادي الإنترنت ومراقبة المحتوى، ولعل أبرزها قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 والذي يفرض عقوبة الحبس والغرامات المالية على جرائم أخلاقية يصعب معرفة أركانها أو التأكد من صحتها، منها ما سمي بجريمة الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية في المجتمع. كما أعطى القانون وقانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018 صلاحيات للجهات القضائية والشرطية والمجلس الأعلى للإعلام تسمح بحجب المواقع والحسابات لاعتبارات “الأمن القومي” أو في حالات نشر أخبار كاذبة، أو إهانة للأديان السماوية أو العقائد الدينية.
محكمة النقض تؤيد حبس الحقوقية أمل فتحي. على خلفية ڨيديو على فيسبوك
في 11 يناير 2022 أصدرت محكمة النقض المصرية حكمًا بتأييد حبس الناشطة الحقوقية أمل فتحي بالسجن لمدة عام مع التنفيذ في القضية رقم 7991 لسنة 2018 والمعروفة إعلاميًّا بـ”قضية التحرش” والصادر فيها حكم بالحبس عامين وغرامة 10 آلاف جنيه عن محكمة جنح المعادي في ديسمبر 2018 وفقًا لبيان أصدرته 7 منظمات حقوقية مصرية من بينها مؤسسة حرية الفكر والتعبير[18].
وتعود وقائع القضية إلى مايو 2018 حين اقتحمت قوة من الشرطة منزل فتحي ملقية القبض عليها بعد تفتيش منزلها والعبث بمحتوياتها. وبعد ساعات من التحقيق المطول قررت نيابة المعادي الجزئية حبسها 15 يومًا على ذمة التحقيقات، في اتهامها ببث ڨيديو على موقع التواصل الاجتماعي صنفته النيابة باعتباره إشاعات كاذبة، كما ادعت النيابة أنه “يحرِّض على قلب نظام الحكم”، على خلفية نشر فتحي ڨيديو غاضب على فيسبوك بعد تعرضها للتحرش من قبل موظف عام داخل مصلحة حكومية، متهمة السلطات بالتساهل مع مرتكبي تلك الجريمة.
بعد يومين من القبض عليها تم التحقيق معها مجددًا أمام نيابة أمن الدولة العليا على ذمة قضية جديدة حملت رقم 621 لسنة 2018 باتهامات، من بينها: الانضمام إلى جماعة إرهابية واستخدام الإنترنت للحض على أعمال إرهابية ونشر أخبار كاذبة، كما تم استجوابها حول أنشطة زوجها المدير التنفيذي للحقوق والحريات، قبل أن تأمر محكمة جنايات القاهرة بإخلاء سبيلها في ديسمبر من نفس العام على ذمة تلك القضية، بينما أصدرت محكمة جنح المعادي حكمًا بحبسها عامين وغرامة 10 آلاف جنيه في القضية المتعلقة بالڨيديوهات التي قامت بنشرها حول واقعة التحرش.
القسم الرابع: حرية الإبداع
رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير 8 وقائع انتهاكات بملف حرية الإبداع خلال الربع الأول، تنوعت ما بين استمرار نقابة المهن الموسيقية في تضييقها على مطربي المهرجانات، وقرارات محكمة النقض بتأييد قرار شطب نقابة المهن التمثيلية للفنانين خالد أبو النجا وعمرو واكد على خلفية نشاطهم السياسي المعارض لنظام السيسي، بينما منعت إدارة مهرجان القاهرة الدولي عدة دور نشر من المشاركة في النسخة 52 من المعرض لأسباب مختلفة وبعضها دون أسباب، في حين ألقت قوة من الشرطة القبض على المخرج حسني صالح[19] لاتهامه بنشر أخبار كاذبة على خلفية تدوين على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يستغيث من هجوم مسلحين مجهولين على فريق عمل مسلسل “حلم الأسمرات” أثناء التصوير وسرقة بعض معدات التصوير.
أبرز أنماط الانتهاكات:
استمرار نقابة المهن الموسيقية في حربها ضد الألوان الغنائية الجديدة:
تستمر نقابة المهن الموسيقية برئاسة النقيب الحالي هاني شاكر حربها ضد الألوان الغنائية الجديدة وعلى رأسها أغاني المهرجانات، والتي تلقى رواجًا شديدًا سواء داخل مصر أو خارجها حيث رصدت المؤسسة خلال الربع الأول اانتهاكين ارتكبتهما النقابة تمثَّل الأول في وقف مغني المهرجانات، عمر كمال، وإحالته إلى التحقيق[20] في 15 فبراير الماضي بسبب ما بدر من المطرب عبر وسائل التواصل الإعلامي حسب القرار.
كان عمر كمال قد ذكر خلال بث مباشر عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ردًّا على تعليق أحد المتابعين والذي قال فيه: “هاني شاكر هيمرجحك” ليجيب بـ”مفيش حد يقدر يمرجحني يا قلبي، مفيش حد بيعرف يمرجحني، أنا بشتغل وفرقتي في كل حتة جوه وبره وفوق وتحت، يمرجحك إنت يا كوكو[21]“. لتصدر النقابة بعدها مباشرة بيانًا[22] رفضت فيه “أي تجاوز أو تطاول على رمز فني وقيمة أثرت على مدى تاريخها الأغنية المصرية وعاصرت عظماء وظلت رمزًا للعطاء والتفاني مثل الفنان هاني شاكر نقيب المهن الموسيقية وترفض النيل والتلفظ على شخصه من أي طامح أو حالم بالنيل منه حيث تاريخه ممتد ومثمر في الحفاظ على أصالة وريادة الأغنية المصرية”.
كما أضاف البيان رفض وإدانة النقابة “ظهور أي مطرب مصري على وسائل السوشيال ميديا ظهورًا غير لائق حديثًا وحركة والتلفظ بكلمات لها دلالات موحية وغير أخلاقية تحط من قيمة وقدر الفنان المصري” في انحراف واضح لدور النقابة المعني بحماية حقوق العاملين بالمهنة وليس فرض أي وصاية أخلاقية وطريقة للتحدث والتفاعل لأعضائها على مواقع التواصل الاجتماعي. كما تشير الواقعة إلى ما يبدو اتخاذ النقابة ونقيبها مسارات غير مهنية تنم عن عداء واضح وشخصي لهذا النوع من الموسيقى ومقدميها.
وفي نفس السياق رصدت المؤسسة أيضًا إعلان إدارة مسرح الزمالك تراجعها عن إقامة حفل لمطرب المهرجانات “مسلم” والذي كان مقررًا له الجمعة 11 مارس، بعد تصريحات وكيل نقابة المهن الموسيقية بعد الإعلان عن الحفل والذي قال فيها إنه سيُجرى اتخاذ عدد من الإجراءات، منها: إبلاغ إدارة المسرح، ثم إخطار الشرطة وتحرير محضر رسمي بالمخالفة، بالإضافة إلى احتمالية إصدار النقابة قرارًا بمنع أعضائها من التعامل مع المكان.
وقالت إدارة المسرح إنه فور طرح بوستر الحفل تم التواصل مع نقابة المهن الموسيقية والذين طلبوا إلغاء الحفل لعدم توفيق مسلم لأوضاعه في النقابة[23].
معرض الكتاب، منع دار على الأقل من المشاركة وإنهاء تواجد أخرى
وفي سياق مختلف انطلقت النسخة الثالثة والخمسون من معرض القاهرة الدولي للكتاب، في 26 يناير الماضي. ويعد المعرض موسمًا لدور النشر والمكتبات حيث تكثف من إنتاجها الثقافي استغلالًا لحالة الرواج التي يخلقها المعرض، إلا أن مؤسسة حرية الفكر والتعبير قد رصدت منع الهيئة العامة للكتاب: دار عصير الكتب، من المشاركة في المعرض، بينما أنهت تواجد مركز نهر النيل للنشر بعد ستة أيام من انطلاق المعرض دون إبداء أية أسباب.
وأبلغت إدارة المعرض دار النشر “عصير الكتب” رفضها المشاركة في تلك النسخة من المعرض دون أن يسبَّب قرار الحرمان من المشاركة بأية أسباب. يأتي هذا القرار بعد حملة صحفية اتهمت الدار بنشر عدد من الكتب والمطبوعات لعدد من الكتاب المرتبطين بالتوجه الإسلامي، بالرغم من تقديم الدار عدة توضيحات إلى هيئة الكتاب حول هذا الأمر وفقًا لتصريحات مسؤولي الدار لموقع القاهرة 24[24]. والذين أضافوا أن الدار راجعت خلال الفترة الماضية جميع المطبوعات التراثية الدينية التي أصدرتها للتأكد من خلوها من أية توجهات أو أفكار تدعم ما أسمته بـ”التطرف الديني” وحذفت عددًا كبيرًا من تلك الكتب من منصتها الإلكترونية.
كانت الدار قد أصدرت بيانًا في 25 نوفمبر الماضي طالبت فيه وزارة الداخلية والجهات المسؤولة بالتحقيق في الاتهامات التي وجهت إليها خلال الفترة الماضية. بينما أضاف البيان والذي نشره مدير الدار، محمد شوقي، على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك[25]، أن عصير الكتب دار نشر مصرية والقائمين عليها ولاؤهم الأول والأخير لمصر ومشروعها الوطني وأن الدار ملتزمة بالخط الوطني المصري واحترام فلسفة الدولة المصرية.
وحول أسباب منع الدار من المشاركة في المعرض قال رئيس اتحاد الناشرين المصريين، سعيد عبده، في تصريحات لموقع رصيف 22[26]، إن دار الكتب لم تشارك في الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب بناءً على الاتهامات التي وجهتها الدار وصاحبها عبر فيسبوك إلى الهيئة العامة للكتاب والقائمين عليها، والتي ترتب عليها إحالة الدار إلى اللجنة التأديبية في الاتحاد.
وفي نفس السياق وبعد ستة أيام من انطلاق المعرض أصدر مركز نهر النيل للنشر بيانًا عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أعلن فيه إنهاء تواجد المركز بمعرض الكتاب للعام الحالي 2022 بناءً على قرار شفهي تم إبلاغهم به من قبل إدارة المعرض. وأضاف البيان، أن إدارة المعرض لم تقم بتسليم المركز أية مذكرات رسمية تقدم تبريرًا للقرار، كما لم يطلب توقيع المركز على أية أوراق أو محاضر ولم يتواصل مع المركز أي مسؤول من إدارة المعرض، كما فشلت جميع المحاولات لفهم واستجلاء هذا القرار وفقًا للبيان.
القضاء الإداري يؤيد قرار شطب المهن التمثيلية لخالد أبو النجا وعمرو واكد، على خلفية تعبيرهم عن آرائهم
في 5 يناير 2022 أصدرت الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري قرارًا برفض الطعن المقدم من الفنان خالد أبو النجا والفنان عمرو واكد على قرار نقابة المهن التمثيلية إنهاء عضويتهم بالنقابة[27].
كانت نقابة المهن التمثيلية قد أصدرت بيانًا[28] في 27 مارس 2019 أعلنت فيه إلغاء عضوية الفنانين الاثنين على خلفية مواقفهم المناهضة للنظام الحالي والتي كان آخرها قبيل صدور القرار، حضورهم جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأمريكي، والتي تناولت أوضاع حقوق الإنسان في مصر. واتهم بيان النقابة آنذاك الفنانين بالخيانة العظمى للمواطن والشعب المصري والاستقواء بالخارج ضد الإرادة الشعبية ودعم أجندة المتآمرين ضد أمن واستقرار مصر حسب وصف البيان.
وجاء هذا القرار دون إجراء أية تحقيقات داخلية قبلها بما يخالف القانون رقم 35 لسنة 1978 بشأن إنشاء النقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، والذي يُلزم الجهات الإدارية كافة باتخاذ إجراءات التحقيق اللازمة قبل توقيع أي جزاء على أي عضو بها.
وألزمت المادة 63 و64 من نفس القانون، الجهة الإدارية بتشكيل لجنة لتولي التحقيق قبل إصدار أي جزاء ضد عضو النقابة، كما ألزمت نفس المواد بتشكيل مجلس تأديب يتكون من 5 أعضاء، ويكون من حق الفنان اختيار واحدًا من الأعضاء داخل اللجنة، كذلك يشترط القانون إعلام العضو بموعد التحقيق ويقر أحقيته في إحضار محامٍ وشهود، مع ضمانة حق الاستئناف على قرارات اللجنة أمام مجلس تأديب استئنافي بأعضاء أكثر خبرة وهو ما لم يتم العمل به.
بالإضافة إلى ذلك فقد جاءت قرارت إنهاء العضوية بالمخالفة للمادة 12 من نفس القانون، حيث حددت حالات إلغاء عضوية الأفراد والتي لم يكن من بينها أي من الوقائع محل القرار. بالإضافة إلى ذلك الاتهامات الجسيمة التي أوردها القرار ضد الفنانين كالخيانة العظمى والاستقواء بالخارج ضد الإرادة الشعبية بسبب رأي الفنانين السياسي المخالف لرأي القائمين على إدارة النقابة.
القسم الخامس: الحرية الأكاديمية
وعلى مستوى الحرية الأكاديمية، فقد رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير استمرار التضييق على الأكاديميين المصريين عبر اتخاذ إجراءات جنائية وتأديبية ضدهم على خلفية تعبيرهم عن آرائهم بما في ذلك تلك الموضوعات المتعلقة بمجالاتهم الأكاديمية ولعل أبرز تلك الوقائع، الحكم الصادر عن محكمة جنايات القاهرة[29] “الدائرة 27 جنوب” في 31 مارس الماضي بالحبس لمدة عام مع إيقاف التنفيذ وغرامة 100 ألف جنيه، ضد رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة أيمن منصور ندا وذلك في القضية رقم 9840 لسنة 2021 جنح التجمع الخامس، والمتهم فيها بالخوض في عرض رانيا هاشم المكلفة بعضوية المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، واستخدام حساب على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك في ارتكاب الجرائم.
كما قررت المحكمة براءة ندا من جميع الاتهامات الأخرى التي شملت نشر أخبار كاذبة حول الإعلام المصري وسب المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وعدد من أعضائه، وكذلك رفضت المحكمة الدعوى المدنية المُقامة من كرم كامل إبراهيم جبر المكلف برئاسة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ضد ندا.
تأتي تلك الاتهامات على خلفية عدة مقالات نشرها ندا على حسابه على موقع فيسبوك ينتقد فيها وضع الإعلام المصري خلال السنوات الأخيرة وطريقة إدارة هذا الملف من قبل الجهات الرسمية، وهو الأمر الذي أطلق معه عددًا من الإجراءات القمعية ضد ندا، منها: إلقاء القبض عليه في سبتمبر من 2021، قبل أن تخلي نيابة استئناف القاهرة سبيله في 17 نوفمبر من نفس العام على ذمة التحقيقات في القضية رقم 23 لسنة 2021 حصر استئناف القاهرة، والمتهم فيها بسبِّ وقذف عدد من قيادات جامعة القاهرة، على خلفية نشره عدة مقالات على حسابه على “فيسبوك” يتهم فيها إدارة الجامعة بالفساد، بالإضافة إلى إحالته بقرار من إدارة الجامعة إلى عدة مجالس تأديبية حملت أرقام: 14، 15، 17، 18، 19، 20، 21 لسنة 2021، على خلفية نفس الاتهامات.
وعلى جانب آخر أحيلت أستاذتان بإحدى الأكاديميات المصرية[30]، نتحفظ على ذكر اسميهما بناءً على طلبهما إلى التحقيق والذي بدأت إجراءاته في 17 مارس الماضي على خلفية اتهامات، منها: استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لنشر عبارات تفيد التشكيك في مؤسسات الدولة والمشروعات القومية، واتهام الدولة بالفشل في مواجهة المشكلات الراهنة وإظهارها بمظهر المتستر على الفساد، واتهام الأجهزة الأمنية بارتكاب جرائم الإخفاء القسري لمواطنين، في تعدٍّ واضح على حقهم في التعبير.
خاتمة وتوصيات
تستمر السلطات المصرية المختلفة في الاعتداء على حق المواطنين في التعبير وحرية تداول المعلومات بطرق مختلفة، بينما تعطي تلك السلطات تركيزًا أكبر خلال السنوات القليلة الماضية في استهداف المواطنين على خلفية تعبيرهم عن رأيهم أو أنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي والذي يعد آخر المنافذ المتاحة للتعبير أمام المواطنين وعليه:
تدعو مؤسسة حرية الفكر والتعبير إلى ضرورة إلغاء قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018.
كما تدعو المؤسسة النائب العام إلى ضرورة الإفراج الفوري عن المحبوسين احتياطيًّا على خلفية تعبيرهم عن آرائهم بكافة الصور، ووقف عمليات استهداف المواطنين لنفس السبب.
إلغاء الأحكام القضائية الصادرة على مستخدمات تطبيقات التواصل الاجتماعي لاتهامات تتعلق بنشر الفسق والفجور وحماية قيم وأخلاق المجتمع.
كما تدعو المؤسسة مجلس النواب إلى رفض مقترح التعديلات على قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 51 لسنة 2014 بشأن تنظيم الخطابة والدروس الدينية في المساجد وما في حكمها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.