الفاشية الهندية تطارد المسلمين
في 23 فبراير/شباط 2020 شهدت مدينة نيودلهي مذبحة لم يتحدث عنها العالم كثيراً.
يومها جابت حشود القوميين الهندوس شوارع المدينة، وأضرموا النيران في المساجد.
أحرقوا منازل المسلمين ومتاجرهم وشركاتهم ونهبوها.
ثم قتلوا أو أحرقوا بعض المسلمين أحياء.
وسقط 37 شخصاً جميعهم تقريباً من المسلمين قتلى، وتعرض كثيرون آخرون للضرب حتى شارفوا على الهلاك.
جموع الهندوس جردوا طفلاً لم يتجاوز عمره العامين من ملابسه ليتأكدوا مما إذا كان مختوناً أم لا، وتظاهرت بعض المسلمات بأنهن هندوسيات.
خلال الأحداث تركت الشرطة الهندية المسلمين دون حماية تُذكر.
ورئيس الوزراء مودي لم ينبس ببنت شفة لعدة أيام قبل أن يطلق نداءً "غامضاً" دعا فيه إلى الحفاظ على "السلام والتآخي".
وفي نهاية صيف 2021 كادت هذه الأحداث تتكرر في ولاية آسام، بالعنف نفسه، ولأسباب أخرى.
وفي الجريمتين كان نشطاء حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي في طليعة الهجوم على المسلمين، كالعادة منذ تولي الحزب مقاليد الحكم في 2014.
للمسلمين في الهند حكاية عابرة للقرون، وحافلة بلحظات المجد والأزمات، لكن الأوضاع تقترب من الانفجار، بعد القرارات المتتالية لرئيس وزراء الهند المتشدد، ناريندرا مودي، صاحب التاريخ غير الناصع تجاه المسلمين.
عن تاريخ المسلمين في الهند منذ فتحها، إلى تضييق الخناق على مسلميها الآن وأسباب ذلك، وعن أكبر قضيتين في ملف الاضطهاد، في ولايتي كشمير وآسام، يدور هذا التقرير.
سلطنة الهند الإسلامية
الممالك الإسلامية تحكم معظم أراضي شبه القارة الهندية لثمانية قرون حتى بداية العصر الاستعماري
يعتبر الإسلام ثاني أكبر ديانة في الهند بعد الهندوسية، إذ تضم الهند نحو 200 مليون مسلم، مما يجعلها أكبر دولة تضم سكاناً مسلمين إذا استثنينا الدول ذات الأغلبية المسلمة.
رغم ذلك، يتعرض مسلمو الهند للاضطهاد وغالباً ما يكونون ضحايا لأعمال العنف الطائفية.
لكن الأمر لم يكن كذلك دائماً فقد استطاع المسلمون قبل الاحتلال البريطاني للهند تأسيس مملكة قوية دام حكمها قرابة 8 قرون وامتدت في أوجها لتشمل معظم أراضي شبه القارة الهندية، وحكمها رجال جمعوا ما بين الحزم والحكمة واستطاعوا التعامل بذكاء مع التنوع الديني والطائفي والعرقي في بلد شديد التنوع مثل الهند.
دعونا نتفق أولاً على أن حدود الهند اليوم مختلفة عما كانت عليه مع بداية انتشار الإسلام، وأن المسلمين قد استطاعوا بشكل تدريجي بسط سيطرتهم على مساحات شاسعة من شبه القارة الهندية التي تتألف من (الهند وباكستان وبنغلاديش وبوتان ونيبال).
ووفقاً لكتاب "تاريخ الهند" للمؤرخين إليوت وداوسون، فقد رست أول سفينة تحمل عرباً مسلمين على السواحل الهندية عام 630 (أي بعد 20 عاماً من بداية الدعوة المحمدية)، ومن حينها بدأ الإسلام ينتشر ببطء في الهند.
وقد كانت البداية من بلاد السند، أو باكستان اليوم، عندما قام الملك راجا داهر بالاعتداء على بعض التجار المسلمين وسبي نسائهم في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك.
جاء الرد قوياً ومباشراً، وسيرت جيوش المسلمين شرقاً بقيادة محمد بن القاسم الثقفي عام 672 الذي تمكن من فتح السند بينما لا يزال في السابعة عشرة من عمره.
محمود الغزنوي.. حجر الأساس لانتشار الإسلام في الهند
الدولة الغزنوية كانت سباقة إلى نشر الإسلام في الهند بقيادة محمود الغزنوي الذي قاد 17 حملة هناك حتى حاز لقب "الإسكندر الثاني".
تأسست الدولة الغزنوية في مدينة غزنة في أفغانستان الحالية عام 961، وحظيت باستقلال ذاتي وتبعيّة اسمية للخليفة العباسي في بغداد.
أعظم سلاطين هذه الدولة محمود الغزنوي ضمّ في عهده معظم مناطق باكستان وأجزاء من أفغانستان وإيران، والأهم من ذلك أنه بدأ أولى معارك فتح الهند عام 1000 بهدف نشر الإسلام في المنطقة.
تلا تلك المعركة 16 حملة انتشر على إثرها الإسلام في الشمال الهندي، وكانت حجر الأساس لترسيخ حكم إسلامي في المنطقة امتد 8 قرون بعد ذلك.
لم تصمد الدولة الغزنوية كثيراً بعد وفاة السلطان محمود الغزنوي عام 1030، وسرعان ما انهارت على أيدي الغوريين المسلمين الذين تابعوا بدورهم التوسع في الهند.
السلطان الأكثر شهرة جلال الدين أكبر
توالت الممالك الإسلامية في الهند وآخرها كان ظهير الدين بابر، وهو من نسل جنكيز خان، المغولي الذي دمّر أحفاده عاصمة الخلافة العباسية بغداد وأجزاء كبيرة من العالم الإسلامي، وقد استطاع بابر أن يرفع راية الإسلام في معظم الأراضي الهندية بالإضافة إلى أفغانستان وأطرافها.
ولا تكمن عظمة بابر في كونه قائداً عسكرياً فذاً فحسب، بل كذلك بكونه رجلاً حكيماً استطاع استيعاب التنوع الثقافي والديني في الهند التي تحتوي على عدد هائل من الديانات والأعراق واللغات، وكانت وصية بابر لابنه عدم الانسياق وراء الخلافات الطائفية والعرقية في الهند، ليحافظ على وحدة الدولة.
ثم امتد حكم جلال الدين أكبر حفيد بابر على مدار خمسة عقود من 1556 وحتى 1605، مد سلطانه خلالها على أغلب أنحاء شبه القارة الهندية فاتسعت رقعة دولته بشكل هائل لتشمل منطقة غوجارات، والبنغال، وإقليم كشمير، والسند (باكستان)، وقندهار (في أفغانستان) وتحرّكت قواته جنوباً نحو سلسلة جبال فنديا نحو هضبة الدكن، لتضاف إلى الإمبراطورية المغولية كل من خانديش وبيرار وقطعة من أحمد نجار، وفق ما ذكر موقع الموسوعة البريطانية Britannica.
لكن عظمة المغول المسلمين لم تستمر في الهند إلى الأبد، فلطالما كانت المنطقة مطمعاً للأوروبيين الذين بذلوا جهدهم للسيطرة عليها.
الاستعمار يزرع الفُرقة وينهب الثروات
مع بداية القرن الثامن عشر عاش في الهند حوالي 180 مليون شخص شكلوا قرابة خُمس سكان العالم وقتها، لكن كانت التفرقة تسود هذه القوة البشرية الهائلة.
تحدث هؤلاء نحو 200 لغة تتفرّع إلى 500 لهجة، وسادت الهند انقسامات أدت إلى ضعف الإمبراطورية المغولية وقادت إلى دمار البلد السياسي في نهاية الأمر، وبحلول القرن التاسع عشر، كان البريطانيون قد سيطروا على شبه القارة الهندية بالكامل وعلى ميانمار وعلى أفغانستان لفترة وجيزة.
عمل البريطانيون على تعزيز التفرقة بين الهنود سواء من الناحية الطبقية أو الدينية، وكانوا يعاملون الهنود على أنهم بالكاد من البشر.
نهب ثروات البلاد بشكل وقح، وتجنيد الهنود لقتل بعضهم بعضاً ومعاملتهم بازدراء شديد، لم تكن هذه فقط أسباب الثورة الهندية التي اندلعت عام 1857.
في 1947، وأمام ضغط حركة الاستقلال السلمية للمهاتما غاندي والحركة الإسلامية، تنازلت بريطانيا عن مستعمراتها في الهند البريطانية. وخلف البريطانيون وراءهم دولتين:
الاتحاد الهندي العلماني.
وجمهورية باكستان الإسلامية.
وفي هذا الاتحاد العلماني الذي أصبح اسمه "الهند"، بدأ اضطهاد المسلمين بالتدريج.
حرائق السنوات الأخيرة
وتيرة العنف ضد المسلمين تتصاعد منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي إلى الحكم في 2014
في صيف 2019، انتشر على نطاق واسع في منصات التواصل الاجتماعي شريط يظهر شاباً مسلماً مرعوباً.
يداه موثوقتان ومربوطتان بعمود خشبي، وهو يتعرض للضرب المبرح من جانب أفراد عصابة قتل هندوسية في ولاية جاركاند شرقي البلاد.
كان الشاب المسلم تبريز أنصاري، 24 عاماً، يلتمس من أفراد العصابة الرأفة به، بينما غطت وجهه الدموع والدماء.
أجبره المعتدون على ترديد الهتاف القائل: "جاي شري رام"، الذي يعني بالهندوسية "المجد للإله رام".
في العديد من المناطق في الهند، درج الهندوس على النطق باسم إلههم المحبوب رام كتحية. ولكن في السنوات الأخيرة، حوّلت عصابات من القتلة اسم رام إلى صرخة تدعو للقتل، حسبما تقول مراسلة بي بي سي في العاصمة الهندية دلهي.
نفذ أنصاري ما أجبر عليه، وعندما انتهى المعتدون منه، سلموه للشرطة.
حبسته الشرطة، ومنعت أسرته من زيارته في سجنه. ومات تبريز أنصاري بعد أربعة أيام متأثراً بالجروح التي أصيب بها في الاعتداء.
وبعد أيام من وفاة تبريز أنصاري، قال مودي أمام البرلمان إنه "شعر بالألم" جراء الحادثة، وإنه "ينبغي معاقبة الفاعلين بشدة".
ولكن العديد من الهنود يشككون باستعداد الحكومة للاقتصاص من المسؤولين عن هذه الاعتداءات.
قتل العشرات وأصيب المئات بجروح في اعتداءات وهجمات نفذها الدهماء منذ عام 2014، ولكن لم يمثل أمام القضاء إلا حفنة من المتهمين.
أنصاري ليس المسلم الهندي الوحيد الذي يتعرض للاعتداء على هذه الشاكلة. فقد كان شهر حزيران/يونيو 2021 شهراً دموياً بشكل استثنائي بالنسبة للمسلمين الهنود الذين استُهدفوا في العديد من الاعتداءات المماثلة.
المسلمون أصبحوا "مهاجرين غير شرعيين"
تعد الهندوسية ديانة الأغلبية في الهند ويعتقد أن عمرها أكثر من 4 آلاف عام، أما الإسلام فيمثل ثاني أكبر ديانة.
ولم تتوقف المناوشات الطائفية على مر القرون، لكن الهند بدأت تشهد انقسامات اجتماعية ودينية عميقة منذ تولي حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي بقيادة ناريندرا مودي، السلطة لأول مرة في عام 2014.
وتصاعدت الأصوات الداعية لبناء معبد هندوسي في أيوديا بشكل كبير بعد هذا التاريخ، وجاء معظمها من نواب ووزراء وقادة من حزب بهاراتيا جاناتا.
وقد أدت القيود المفروضة على بيع وذبح الأبقار، المقدسة لدى أغلبية الهندوس، إلى وقوع عمليات قتل مروعة لعدد من الأشخاص، معظمهم من المسلمين الذين كانوا ينقلون الماشية.
وأسهمت مبالغة القوميين الهندوس في التعبير عن مظاهر هيمنتهم في مناطق أخرى بالعديد من التوترات الدينية.
وهددت الحكومة على لسان وزير الداخلية المتشدد، أميت شاه، بترحيل المهاجرين غير الشرعيين من البلاد عبر برنامج حكومي استخدم مؤخراً في ولاية آسام الشمالية الشرقية.
والجميع يعرف أنه كان يقصد مسلمين.