كيف تساهم السجون المصرية في تدعيم داعش؟مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان يصدر ''تقرير صناعة القنابل الموقوتة فى مصر''
"الأوضاع في السجون المصرية مروعة، وتشكل بيئة خصبة لتجنيد المقاتلين لصالح داعش" كانت هذه خلاصة النتائج التي توصل لها تقرير منظمة حقوق الإنسان أولاً (ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية)، «صناعة القنابل الموقوتة: كيف تسهم السجون المصرية في تجنيد السجناء لصالح داعش؟، والذي أصدر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان اليوم، النسخة العربية منه.
يأتي هذا التقرير ليؤكد مجددًا ما سبق وحذر منه التقرير الأول للمنظمة نفسها تحت عنوان "كالنار في الهشيم" العام الماضي، بشأن تحول السجون المصرية إلى فرصة ذهبية للمجموعات المتطرفة لنشر أفكار التطرف العنيف وتجنيد عشرات السجناء لصالح المجموعات المسلحة، معتمدين على الوعد بضمان حصول السجناء المنضمين إليهم بمعاملة أفضل أثناء الاحتجاز فضلًا عن توفير وسيلة للانتقام بعد إطلاق سراحهم.
تقرير "صناعة القنابل الموقوتة" يستعرض شهادات جديدة لسجناء أُطلق سراحهم بين عامي 2019 و2021، أفادوا في مقابلات موثقة لمنظمة «حقوق الإنسان أولًا» ببؤس الأوضاع داخل السجون المصرية. وتُبيّن من شهاداتهم تواصل تجنيد السجناء لصالح داعش، وخاصة السجناء الذين تعرضوا للتعذيب وغيره من الانتهاكات الجسيمة المنتشرة في السجون المصرية.
أدان التقرير دعم الولايات المتحدة الأمريكية للحكومات القمعية والاستبدادية، مثل حكومة عبد الفتاح السيسي في مصر، بزعم دعم "الشركاء في مكافحة الإرهاب"، بينما تكشف شهادات المسجونين في مصر كيف تتسبب التضحية بقيم ومعايير حقوق الانسان في تدعيم المنظمات الإرهابية وإمدادها بمقاتلين جدد لم تكن تستهدف تجنيدهم.
«صناعة القنابل الموقوتة»
ملخّص
بمرور الوقت، تتلاشى الآمال الوليدة في تحرر إدارة بايدن من الممارسات الأمريكية المتواصلة لعقود من أجل تمكين الديكتاتوريات المصرية، الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة على حقوق الإنسان. فبينما التزمت الإدارة الجديدة «بوضع حقوق الإنسان في قلب السياسة الخارجية الأمريكية»، تتبنى في السياق المصري نهجًا تقليديًا يكتفي بتوبيخ معتدل لسجل القاهرة المتردي في مجال حقوق الإنسان، مع مواصلة إمداد الحكومة المصرية بالدعم العسكري والسياسي غير المشروط.
ورغم ثبوت العديد من الانتهاكات التي تستوجب الإدانة في السجل الحقوقي المصري، بما في ذلك ما أقرته التقارير الأخيرة حول مساعدة مسئولي المخابرات المصرية للقتلة السعوديين في استهداف المعارض والصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2018، إلا أن ممارسات القمع والانتهاكات التي تشهدها السجون المصرية تستحق التركيز بشكل خاص؛ لأنها تسلّط الضوء على أن الوضع الراهن لا يهدد حقوق وكرامة المصريين فحسب، بل قد يغذي التطرف ويقوي المنظمات الإرهابية.
التقرير الأول لمنظمة «حقوق الإنسان أولًا»[1] في 2019 والمعنون «كالنار في الهشيم»،[2] تناول شهادات سجناء تم إطلاق سراحهم من السجون المصرية بين عامي 2015 و2018، سردوا كيفية تجنيد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) للسجناء داخل السجون المصرية، معتمدًا على الوعد بضمان حصول السجناء الذين تعرّضوا للتعذيب على معاملة أفضل أثناء الاحتجاز فضلًا عن توفير وسيلة للانتقام بعد إطلاق سراحهم.
هذا التقرير الجديد «صناعة القنابل الموقوتة» فيمثل تحديثًا للتقرير السابق، بناءً على شهادات لسجناء أُطلق سراحهم بين عامي 2019و2021. هؤلاء السجناء أفادوا في تقارير متسقة وموثوقة لمنظمة «حقوق الإنسان أولًا» حول الأوضاع داخل السجون المصرية. وتُبيّن من شهادتهم تواصل تجنيد السجناء لصالح داعش، دون رادع من جانب السلطات المصرية، بل على العكس تساهم فيه بسبب تكرار ممارسات التعذيب وغيره من الانتهاكات المنتشرة في السجون المصرية. ورغم ما تثيره هذه الشهادات من قلق، لا توجد سوى أدلة علنية قليلة تشير لإجراءات محدودة من مسئولين أمريكيين لإقناع الحكومة المصرية وقف ممارسات التعذيب وغيره من الانتهاكات في السجون.
يتعين على إدارة بايدن التحرك بشكل عاجل لكسر حلقة الانتهاكات والتطرف. فاستمرار العمل كالمعتاد –بما في ذلك مواصلة إرسال أكثر من مليار دولار كمساعدات عسكرية سنوية للحكومات المصرية القمعية– لن يغيّر سلوك السلطات المصرية، أو ينهي السياسات التي تغذي التطرف العنيف. ومع الإقرار بأهمية استمرار العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر؛ فالحكومة الأمريكية لديها الأدوات السياسية اللازمة للضغط بمصداقية بهدف التغيير دون كسر هذه الشراكة.
في واقع الأمر، مارس الكونجرس الأمريكي مرارًا وتكرارًا ضغوطًا لوضع هذه الأدوات في أيدي الحكومة الأمريكية المترددة، موضحًا على وجه التحديد أن المساعدة الأمنية الأمريكية لمصر يجب أن تعتمد جزئيًا –على الأقل– على تحسن فعلي في سجل حقوق الإنسان، وأن ثمة عقوبات محددة الأهداف يمكن استخدامها للمساءلة في حالات الانتهاكات الجسيمة.
أن إدارة بايدن تمتلك فرصة للتأكيد على الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان حتى عندما يتعلق الأمر بالحلفاء العسكريين للولايات المتحدة. بل ويتعين عليها فعل ذلك.
بايدن ومصر
أثناء الحملة الانتخابية لبايدن، تجدد الأمل بأن بادين وإدارته قد يدفعوا الولايات المتحدة لإعادة التفكير في موقفها الداعم تقليديًا للديكتاتوريين المصريين. ففي عام 2020، غرّد بايدن مرشح الرئاسة قائلًا: «اعتقال وتعذيب ونفي نشطاء [مصريين] مثل سارة حجازي ومحمد سلطان أو تهديد عائلاتهم أمر غير مقبول. لا مزيد من الشيكات على بياض لـ 'ديكتاتور ترامب المفضّل».[3] وفي نوفمبر 2020، انتقد أنتوني بلينكن حبس المدافعين المصريين عن حقوق الإنسان قبل وقت قصير من إعلان بايدن ترشيحه لبلينكن كوزير للخارجية، إذ غرّد قائلًا: «مشاركة القلق، اعتقال #مصر لثلاثة موظفين بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية. لقاء الدبلوماسيين الأجانب ليس جريمة. وكذلك الدفاع سلميًا عن حقوق الإنسان».[4]
وفي فبراير 2021، أعلن الوزير بلينكن بعد توليه منصبه، أن الإدارة الأمريكية «ستضع حقوق الإنسان في قلب السياسة الخارجية للولايات المتحدة».[5] وفي الشهر التالي، انضمت الحكومة الأمريكية إلى 31 دولة في إعلان دولي نادر أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة يدين سجل مصر المخجل في مجال حقوق الإنسان.[6] هذه التصريحات مثلت خطوة أساسية وجديرة بالترحيب، بعيدًا عن تعبيرات إدارة ترامب المتكررة عن تجاهل حقوق الإنسان في كثير من علاقاتها الثنائية.[7]
أن الاختبار الحقيقي لالتزامات حكومة الولايات المتحدة بتعزيز حقوق الإنسان يكمن حينما يُطلب منها مواجهة الممارسات التعسفية لأصدقائها وحلفائها صراحة وبشكل هادف. فبخلاف ذلك الإعلان الدولي أمام مجلس حقوق الإنسان، اتبعت الإدارة الأمريكية الجديدة مع مصر نمطًا مخيبًا للآمال كالمعتاد. وكانت أولى المؤشرات في فبراير، حينما أكدّت وزارة الخارجية إبرام صفقة أسلحة بقيمة 197 مليون دولار مع القاهرة. ووصف متحدث باسم وزارة الخارجية الصفقة المزمعة بأنها «روتينية»، مشيرًا في وقت مبكّر إلى أن الإدارة الجديدة لا ترى داعٍ لإعادة النظر أو حتى مراجعة الصلة بين المساعدة الأمنية وحقوق الإنسان. وعندما تم الضغط عليه بشأن ارتكاب الحكومة المصرية أعمالًا انتقامية بحق عائلة المدافع المصري الأمريكي عن حقوق الإنسان محمد سلطان، ادعى المتحدث أن الحكومة الأمريكية «لن تتسامح مع الاعتداءات أو التهديدات من جانب الحكومات الأجنبية بحق المواطنين الأمريكيين أو أفراد أسرهم»، لكنه لم يشر إلى ما ستفعله الحكومة الأمريكية بخلاف «رفع هذه التقارير» مع القاهرة لتفعيل هذا الموقف.[8]
ولاحقًا، حينما تواصل الرئيس بايدن هاتفيًا مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في مايو 2021، بدا أن حقوق الإنسان في مصر كانت أمرًا ثانويًا. ففي المكالمة التي تطرقت لمجموعة من القضايا الإقليمية، أشار البيت الأبيض إلى أن «الرئيس بايدن أكد على أهمية الحوار البناء حول حقوق الإنسان في مصر».[9]
وفي يونيو، وأثناء استجوابه في جلسة استماع بالكونجرس، بدا أن الوزير بلينكن يثني على التحسينات الوهمية في حالة حقوق الإنسان في مصر، إذ قدم تقييمًا مبسطًا وإيجابيًا لدور مصر في مكافحة الإرهاب.[10] وأقرّ بوجود «مخاوف حقيقية بشأن حقوق الإنسان». وأشار وزير الخارجية على وجه التحديد أنه «عندما يتعلق الأمر بحرية التعبير، عندما يتعلق الأمر بالمجتمع المدني، هناك مشاكل كبيرة للغاية نحتاج لمعالجتها مباشرةً مع شركائنا المصريين». لكنه التزم الصمت بشأن القضية الحاسمة الخاصة بالتعذيب في السجون، وقدم مقاربة مبالغ فيها، أو لا أساس لها من الصحة، بشأن الإصلاحات المزعومة الأخرى، مدعيًا «أعتقد أننا شهدنا بعض التقدم في بعض المجالات، لا سيما الحرية الدينية وكذلك تمكين النساء، والتعامل مع العنف القائم على النوع الاجتماعي والإتجار بالبشر».[11]
غالبًا ما ينمقّ الدبلوماسيون الانتقاد بالثناء عندما يكون ذلك ممكنًا، إلا أن الادعاء بتحسينات في مجال العنف القائم على النوع الاجتماعي يعد أمر محير للنشطاء المحليين. إذ أكدّت مُزن حسن، وهي مدافعة مصرية رائدة عن حقوق الإنسان ومؤسسة المنظمة غير الحكومية نظرة للدراسات النسوية، لـ «حقوق الإنسان أولًا» أنه «لا يوجد حتى الآن قانون يجرّم العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتعدّ الخدمات المقدمة للناجيات من الاعتداء الجنسي ضعيفة، ومشروع قانون الأحوال الشخصية [للنساء] مروعًا، ولا تزال المدافعات عن حقوق الإنسان تقبعن في السجون».[12] وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد نشرت سلسلة من الروايات المفصّلة لنساء «تلاقت مساراتهن مع نظام العدالة المصري» وتحدّثن عن تعرضهن للاعتداء الجنسي من جانب السلطات.[13]
فحتى لو كان خطاب إدارة بايدن العلني حول حقوق الإنسان في مصر أكثر صراحة ودقة، فإن الإشارة الأكثر أهمية التي سترسلها الإدارة الأمريكية للسلطات المصرية تتمثل في تعاملها مع مساعدة الجيش المصري. إذ تقدم الحكومة الأمريكية ما يقرب من 1.3 مليار دولار من التمويل العسكري لمصر سنويًا منذ عام 1987.[14] وسواء كان بايدن، المرشح آنذاك، قد وضع هذه المساعدة في الاعتبار عندما انتقد «شيك على بياض» من إدارة ترامب لمصر ورؤسائها أم لا، فإنه لا يوجد جانب آخر للعلاقة الأمريكية المصرية يناسب هذا الوصف أكثر من إحجام حكومة الولايات المتحدة عن ربط دعمها بتحسين ممارسات حقوق الإنسان.
كان الكونجرس الأمريكي قد أوضح سابقًا أن وضع حقوق الإنسان في مصر لا ينبغي أن يكون مجرد مصدر قلق ثانوي للسياسة الأمريكية، حتى عندما يتعلق الأمر بالمساعدة الأمنية. فعلى مدار العقد الماضي، اشترط الكونجرس ارتباط حوالي 300مليون دولار من هذا المبلغ السنوي البالغ 1.3 مليار دولار، بإدخال مصر تحسينات في مجال حقوق الإنسان.[15] وفي كل عام، ونظرًا لفشل السلطات المصرية في إجراء مثل هذه التحسينات، تلجأ الإدارة الأمريكية (أدارتا أوباما وترامب) إلى إعفاء للأمن القومي يسمح لهما بالإفراج عن هذه الأموال على أي حال.[16] وسيتعين على إدارة بايدن أن تقرر قبل نهاية سبتمبر القادم ما إذا كان سجل مصر المروع في حقوق الإنسان سيفرض عليها سلوك مختلف، وستوليه أهمية أكبر في سياستها.
العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر في حاجة ماسة لتغيير جذري، ويتعين على إدارة بايدن رفض الاختيار الخاطئ بين الدفع من أجل هذا التغيير أو الحفاظ على العلاقات مع القاهرة. إذ تُظهر القيود التي فرضها الكونجرس على جزء بسيط من المساعدة العسكرية الأمريكية نهجًا واحدًا للتعامل بجدية مع هذين الهدفين، وليس فقط الحفاظ على العلاقات. وبالمثل، يمكن لإدارة بايدن استخدام أدوات العقوبات الخاصة لفرض التدقيق والضغط على مسئولين مصريين محددين، كما فعلت في سياقات أخرى مع مسئولين في حكومة دولة شريكة ثبت تورطهم في الانتهاكات أو الفساد.
كيف تمارس داعش التجنيد داخل نظام السجون المصرية؟
إن مخاطر هذا القرار مرتفعة بشكل غير عادي. تتضمن الشهادات التي جمعتها منظمة «حقوق الإنسان أولًا» من سجناء سابقين أدلة مخيفة على أن داعش تستفيد بشكل مباشر من سياسات مصر، سواء من خلال الإهمال أو في سبيل الحفاظ على عدو مفيد، بما في ذلك الانتهاكات الروتينية والمروعة وتعذيب السجناء.
على مدار عقود، نشرت منظمة «حقوق الإنسان أولًا» تقارير حول انتهاكات الحكومات المصرية المتوالية لحقوق الإنسان. وهذا التقرير يستند لمقابلات أُجريت على مدى عدة أشهر في 2021 مع سجناء سابقين. ولأسباب أمنية، تم تغيير بعض أسماء بعضهم في هذا التقرير.
يمتلك نظام السجون في مصر تاريخ طويل من العنف المتطرف. ويُعتقد أن زعيم القاعدة أيمن الظواهري قد تحول إلى التطرف بعد تعذيبه وإذلاله في السجون المصرية في الثمانينيات. واتفق الأفراد الذين تمت مقابلتهم أثناء إعداد هذا التقرير على أن السياسات الحالية للحكومة المصرية تعمل على تقوية داعش، وتعكس روايات أولئك الذين شهدوا التطرف بشكل مباشر أثناء الاحتجاز أوجه تشابه مذهلة بين الفترة من 2015 إلى 2021. إذ أقر كافة السجناء السابقين الذين قابلتهم منظمة «حقوق الإنسان أولًا» في إطار إعداد هذا التقرير إنهم شهدوا بأنفسهم تجنيدًا ناجحًا للسجناء داخل السجون من جانب داعش.
يقول مالك:
لدي مثال أعرفه شخصيًا. كان معي في السجن، شاب 19 عامًا، عندما ذهب لسجن وادي النطرون تأثر بشكل كبير بتنظيم داعش، وعند عودته، بدا مقتنعًا بتكفير الإخوان، وبعدم جدوى التغيير السلمي، وأن التغيير لن يحدث سوى بقوة الأسلحة. وحينما حاول المعتقلون التحدث معه بعقلانية ومناقشته لتغيير أفكاره، لم يصغي لأحد وكان شرسًا جدًا.[17]
بينما أخبر محمود منظمة «حقوق الإنسان أولًا»:
في سجن العقرب، رأيت مجموعات من الرجال ينضمون لداعش بعد تعرّضهم لسوء المعاملة، ليس فردًا واحدًا أو اثنين بل عدة أفراد. في البداية كانوا مجرد سجناء عاديين، لكنهم انضموا لاحقًا لداعش. وتم إقناع الشبان الذين اعتادوا شرح آرائهم بطريقة سلمية، بوجود طريقة أخرى غير سلمية لتوضيح وجهات نظرهم.[18]
وفي السياق ذاته، وصف أحد السجناء المفرج عنهم عام 2021 لـ «حقوق الإنسان أولًا» الوضع بقوله:
إنها أزمة؛ فالسجناء الشباب غير المتعلمين يحصلون على أيديولوجية مقدمة ظاهريًا باعتبارها دينية ولكنها في واقع الأمر تتعلق بالعنف والكراهية».[19]
وأضاف سجين آخر:
كأن السلطات تصنع قنابل موقوتة بالسماح بذلك. أعرف ثلاثة رجال لم يكونوا متطرفين حينما وصلوا السجن. كنا نمزح وندخن السجائر معًا، وكان أحدهم من أصول ثرية وتم اعتقاله خطأ عندما كان يغادر حرم جامعته. بداخل السجن انضموا لداعش، وبعد الإفراج عنهم، ذهب اثنان للقتال في صفوف داعش في سيناء، بينما قُتل أحدهم وهو يُحارب في سوريا.[20]
وقال سجين آخر تمّ إطلاق سراحه في 2020 لـ منظمة «حقوق الإنسان أولًا» أنه:
للأسف، بعد فترة في السجن، تمكن أعضاء داعش من إقناع بعض الرجال تبني أساليبهم في التفكير العنيف، وبدأوا يفضلون تلك الطريقة. لقد تمكنّوا من إقناع صديق لي في السجن. ولاحقًا اكتشفت انضمامه لداعش، ووصل الأمر إلى حد أنه لم يكن يحيي الأشخاص غير المتفقين مع أيديولوجيته الجديدة.[21]
وحدّد السجناء المُفرج عنهم الدوافع الرئيسية للانضمام لداعش على أنها؛ انتقام من السلطات، وبغية الحماية والحصول على معاملة أفضل للمنتمين لداعش في نظام العقوبات.
وشدّد السجين السابق محمود على الظروف المسيئة التي يتعرض لها السجناء قائلًا:
يتعرّض السجناء لأنواع كثيرة من العنف الجسدي والنفسي. وتتراوح الانتهاكات بين الصعق الكهربائي، والتعليق من السقف من ذراعيك أو ساقيك لأيام. وفي بعض الأحيان يُحضرون إناث من أفراد عائلة السجين لمقر استجوابه، أخت السجين أو أمه أو ابنته، ويهددونهم ويجبرون السجين على الاعتراف بأشياء لم يفعلها. أنا أعلم أنهم أحضروا الزوجات لمكاتب التحقيق، وقيل للسجناء أن الضباط «سيفعلون أشياءً» بزوجاتهم إذا لم يعترفوا.[22]
ووصف سجين سابق آخر عملية الإساءة والتجنيد كما كان شاهدًا عليها، بقوله:
عندما تم اعتقالي لأول مرة، تعرضت للتعذيب لمدة 60 يومًا من جانب أمن الدولة. تعرّضت للضرب، وبقيت عاريًا، وصُعقّت بالكهرباء في كافة أنحاء جسدي، بما في ذلك أعضائي التناسلية. لقد كنت بحاجة لعملية جراحية إثر ذلك. تاليًا، نُقلت إلى السجن، ووُضعت في زنزانة للوافدين الجدد، عادةً ما يتم الاحتفاظ بالسجناء هناك لمدد تتراوح بين 11 و 30 يومًا، اعتمادًا على الوقت الذي ينقلهم فيه الضابط المسئول إلى زنزانة دائمة. وأثناء احتجازي في زنزانة الوافدين الجدد، شجّعني سجين من جماعة الإخوان المسلمين على الإيمان بالله والثقة في طرقه، وقال لي: «يجب أن تصلي، وسيمنحك الله حقوقك يوم القيامة»، بينما قدم لي أحد سجناء داعش عرضًا مختلفًا، قائلًا: «سنساعدك في تحقيق العدالة الآن. سنقاتل القوى التي فعلت هذا بك ونجعلهم يدفعون الثمن». بعد 60 يومًا من التعذيب الذي يحطم عقلك وجسدك وروحك، أي جانب سيختار الشخص؟[23]
السجناء السابقون الذين تمت مقابلتهم أكّدوا أن السجناء المنتمون لداعش غالبًا ما يتمتعون بسهولة الوصول للسجناء الآخرين. ويرى يوسف أن «الكارثة تكمن في عدم فصل السلطات للسجناء المرتبطين بقضايا حقيقية للإرهاب عن أولئك الذين يعارضون النظام ببساطة لأسباب سياسية». وأضاف يوسف، الذي أُطلق سراحه من السجن في وقت سابق من هذا العام، «إن السجناء السياسيين العاديين، وخاصةً الأصغر منهم المعتقلون ظلمًا، يصبحون فريسة للإرهابيين داخل السجون. ولم يسبق لي ملاحظة تدخل سلطات السجن لمنع حدوث ذلك».[24] وقال عمرو، وهو سجين سابق آخر: «يمكن لقادة داعش في السجن الوصول بسهولة للسجناء الآخرين. حتى الرجال المعتقلين بتهمة ارتكاب جرائم صغيرة، مثل بيع المخدرات، يتعرّضون لتجنيد داعش في السجون».[25]
في السياق ذاته، قدّم معتقلون آخرون روايات مماثلة عن كيفية تعامل داعش مع السجناء الأصغر سنًا وكيفية تهيئتهم. قال نينو لـ «حقوق الإنسان أولًا» والذي تم إطلاق سراحه في أكتوبر 2020 بعدما أمضى أربع سنوات في سجون مختلفة:
كنت في سجني وادي النطرون وعتاقة. رأيت تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) داخل السجن في 2020. لا يزالوا يحاولون تجنيد سجناء آخرين. تبدأ المسألة بكوب من الشاي أو القهوة للضيافة، ثم يجلسون للتحدث مع الشخص. في البداية، فصلت السلطات الأشخاص الذين لديهم هذه الأيديولوجيات في أماكن منفصلة، ولكن بحلول نهاية 2017، بدأوا في دمج أولئك الذين لديهم أيديولوجيات متطرفة مع بقيتنا. الحكومة هي السبب في انتشار هذه الأيديولوجيات داخل السجون لتدمير عقول السجناء السياسيين الشباب.[26]
وأكد مالك الذي أُطلق سراحه من سجن وادي النطرون في أبريل 2019 لـ «حقوق الإنسان أولًا»، أنه وجد داعش هناك أيضًا، ووصف السجن بأنه «ضخم ويضم آلاف السجناء». وأضاف مالك: «كانت الجماعات المتطرّفة تبحث عن رجال أصغر سناً في العشرينات من العمر. وكان لسجناء داعش بعض الامتيازات الخاصة التي جعلت السجناء الآخرين يرغبون في البقاء في الزنازين نفسها معهم».[27]
تشرح شهادات أخرى كيف تمتع فصائل داعش في السجن بمعاملة وامتيازات أفضل من تلك الممنوحة لبقية السجناء. فبحسب عمرو:
يحصل سجناء داعش على أربع ساعات ترفيهية في اليوم مقارنةً بساعتين لبقية السجناء.. ويُسمح لسجناء داعش بالهواتف المحمولة والرعاية الطبية، كما تستغرق زياراتهم العائلية 90 دقيقة. في المقابل لم يُسمح للسجناء الآخرين باستخدام الهواتف المحمولة، كما لم يتلقوا الرعاية الطبية المناسبة، وتستغرق زياراتهم 20 دقيقة فقط. لذا، كان مغريًا لبقية السجناء الانضمام إليهم. بإمكان سجناء داعش الوصول إلى أي كتب يريدونها –حتى تلك التي تروّج للفكر المتطرف– بينما لم يتمكن طلاب الجامعات من الحصول على كتبهم الدراسية. بعض ضباط السجون يخافون من داعش ويمنحونهم امتيازات. كان أحد الضباط في سجن استقبال طرة خائفًا للغاية من دخول زنزانتهم.[28]
وبالمثل أفاد محمود أنه
«في سجن الاستقبال، وهو جزء من مجمع سجون طرة، رأيت كيف يتمتع سجناء داعش بامتيازات أفضل. كان لديهم المزيد من أوقات الفراغ، ووقت ترفيه أكثر، وقيود أقل مقارنة بالسجناء الآخرين».[29]
وتردّد هذه الشهادات صدى مثيلاتها الواردة في تقريرنا لعام 2019 «كالنار في الهشيم»، حيث أفاد السجين السابق محمد سلطان وآخرون بتفاصيل كيف منحت السلطات سجناء داعش امتيازات أكبر.[30]
وأوضح السجين السابق مالك لــ«حقوق الإنسان أولًا» هذا العام:
لقد سمحت سلطات السجن لسجناء داعش بمزيد من التمارين، من السابعة صباحًا حتى الخامسة مساءً. مسموح لهم الحصول على كافة الكتب التي يريدونها، حتى لو كانت تتناول التطرف. كما تمنحهم السلطات المزيد من وقت الزيارة، وتسمح لهم بتناول جميع أنواع الطعام. لقد رأيت هذه الامتيازات تُمنح لداعش في سجن وادي النطرون حتى أُطلق سراحي.[31]
وتوضح هذه الروايات المباشرة أن مجنّدي داعش لا يزالوا يتمتعون بوصول واسع النطاق للمعتقلين الآخرين، كما يواصلون استغلال مظالمهم بنجاح، والتي يغذيها جزئيًا استخدام الحكومة المصرية للتعذيب وغيره من الانتهاكات. الأمر الذي يسهّل على داعش إقناع السجناء بالانضمام إلى أيديولوجيتهم المتطرفة بمزيج من عروض الانتقام وتحسين ظروف السجن. وبعيدًا عن كونها محصورة في مكان أو مكانين من أماكن الاحتجاز، فإن هذه الظاهرة منتشرة في كافة السجون المصرية.
لقد تمّ تمكين هذه الأزمة بشكل مباشر من جانب الحكومة المصرية، لكن إدارة بايدن أيضًا ستتحمل قدرًا من المسئولية ما لم تتخذ إجراءات فورية ومستمرة لمنع الانتهاكات والتطرف النابع منها.
التوصيات
بناءً على الوضع الذي تسلط هذه الشهادات الضوء عليه، وسنوات من مناصرتنا فيما يتعلّق بسجل حقوق الإنسان في مصر، تقدم منظمة «حقوق الإنسان أولًا» التوصيات التالية:
نظرًا لعدم إحراز مصر أي تقدم في تلبية المعايير القانونية لحقوق الإنسان، يتعين على إدارة بايدن حجب 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر ضمن ميزانية السنة المالية 2020، واشتراط إتاحتها بتحقيق تقدم في هذا السياق، على أن يكون واضحًا أنه من المحتمل تكرر الأمر في العام المقبل إذا تواصل الوضع الراهن.
على مسئولي السفارة الأمريكية في مصر المطالبة الفورية بالوصول للسجون؛ لتقييم الظروف وتقديم توصيات لتحسين الأوضاع، بما في ذلك المزاعم المتعلقة بالتعذيب وسوء المعاملة، وكذلك الفصل الفعّال بين مجندي داعش وبقية نزلاء السجون.
على أعضاء الكونجرس الزائرين أيضا المطالبة بزيارة السجون، والانضمام إلى التجمع المصري لحقوق الإنسان الذي تأسس مؤخرًا، والتأكيد المستمر على أهمية تحسين سجل حقوق الإنسان في مصر.
في السنوات المقبلة، يجب على الكونجرس زيادة حصة التمويل العسكري الأجنبي لمصر المرتبطة بتحقق تحسينات كبيرة في سجل البلاد في مجال حقوق الإنسان. كما ينبغي إلغاء قدرة وزير الخارجية على التذرع بالأمن القومي للتنازل عن شروط تحسين حالة حقوق الإنسان.
يتعين على إدارة بايدن فرض عقوبات مستهدفة على المسئولين المصريين، الأفراد، الذين يتأكد مشاركتهم أو مسئوليتهم عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان –لا سيما التعذيب وغيره من الانتهاكات بحق المحتجزين– وذلك باستخدام السلطة المنصوص عليها بموجب قانون ماغنيتسكي الدولي للمساءلة حول حقوق الإنسان والأمر التنفيذي رقم 13818.
يجب أن تكون أي عقوبات من هذا القبيل وحجب المساعدات مصحوبة باستراتيجية دبلوماسية قوية تهدف إلى تحسين سجل مصر في مجال حقوق الإنسان والمساهمة في الأمن الإقليمي والدولي.
على مدار فترة رئاسة أوباما، كان بن رودس نائبًا لمستشار الأمن القومي، ذو شخصية مؤثرة في صنع السياسة الخارجية أثناء الفترة نفسها. وفي محاضرة له بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، يونيو 2021، سُئل رودس عن دعم الحكومة الأمريكية للرئيس السيسي. فأجاب مستشهدًا بقضية الأمريكي محمد سلطان، الذي سبق تعذيبه وسجنه في مصر، وأوردنا شهادته في تقريرنا لعام 2019. [32] ونحن نقتبس هنا ملاحظاته باعتبارها وصفًا مستنيرًا لانحراف سياسة الولايات المتحدة التي لا تعطي الأولوية لوقف الممارسات التي سبق وأشار لها تقريرنا السابق ويؤكد عليها هذا التقرير.
قال رودس: «لقد كان محمد مواطنًا مصريًا أمريكيًا من ولاية أوهايو عاد إلى مصر لميدان التحرير عام 2011. وعندما شهد الإطاحة بمبارك، كان آملًا في غدٍ أفضل، وقرّر البقاء هناك. في 2013، أعقاب الانقلاب الذي أطاح بمحمد مرسي، أُطلق عليه النار وأُلقي في السجن رغم كونه مواطنًا أمريكيًا. لقد تمّ تعذيبه بعدة طرق وحشية».
وأوضح رودس: «إنهم يتركون الناس يموتون في زنازينهم، كما يشجعونهم على الانتحار؛ وأضرب محمد سلطان عن الطعام. لاحقًا، سمحت سلطات السجن لأحد المنتمين لداعش بالدخول إلى زنزانته، ناقش محمد السجين التابع لداعش حول مزايا المقاومة السلمية في مقابل المقاومة العنيفة. هذه هي الحكومة المصرية التي أعطيناها مليارات الدولارات لوضع مجندين لداعش في الزنازين لأنهم يريدون جعل معارضتهم متطرفة. إذ أن هذا هو ما يبرر قمعهم، ويبقي مليارات الدولارات متدفقة». ويضيف «لم أكن لأعطيهم سنتًا واحدًا. كيف يمكن التحدث مع أي شخص في العالم عن الديمقراطية، بينما نمنح مليارات الدولارات لشركات الدفاع والمقاولين الذين يرسلون الأسلحة للمصريين؟ قمة النفاق … إن درجة القمع التي نحن عليها.. مباشرة في حالة دعم مصر، تنزع المصداقية عن أي شيء نقوله عن الديمقراطية. كما يشوهنا إلى حد ما».
الشهادات
تم توثيق هذه الشهادات من جانب منظمة «حقوق الإنسان أولاً» خلال 2021.
وتم تحديد السجناء السابقين من خلال منظمات حقوق الإنسان الموثوقة، والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين لهم تاريخ طويل مع منظمة «حقوق الإنسان أولًا».
أُجريت المقابلات عبر الإنترنت. وتم تغيير أسماء البعض بناءً على طلبهم؛ لحماية هوياتهم.
وتؤكد منظمة «حقوق الإنسان أولًا» امتنانها لجميع الذين ساعدوا في الاتصال بالسجناء السابقين، وأولئك الذين وافقوا على إجراء المقابلات.
يوسف[33]
أوضح يوسف لـ «حقوق الإنسان أولًا» أنه أُطلق سراحه من السجن في 2021، بعد قرابة عام من الاعتقال. مؤكدًا مشاهدته للعناصر الأيديولوجية المتطرفة تحاول التأثير على فكر السجناء وإقناعهم بأفكارهم المتطرفة، دون أي تدخل من سلطات السجن أو فصلهم عن بعضهم البعض.
«لو أردت استخدام كلمة واحدة لما يحدث في السجون، لقلت مأساة. تكمن الكارثة في تجاهل السلطات للفصل بين السجناء المرتبطين بقضايا حقيقية للإرهاب وبين أولئك الذين يعارضون النظام ببساطة لأسباب سياسية. إن السجناء السياسيين العاديين، وخاصةً الشباب الأصغر سنًا منهم والمعتقلين ظلمًا، يصبحون بمثابة فريسة سهلة المنال للإرهابيين داخل السجون.
عادةً ما يكون التعذيب هو الخطوة الأولى بعد القبض على المتهم، أو إخفاءه قسريًا، بعد ذلك يتم مثوله أمام النيابة العامة لبدء التحقيق. ورغم اختلاف التعذيب داخل السجن عن التعذيب في مقار الأمن الوطني، لكن هناك أمور تحدث في السجن تندرج ضمن سوء المعاملة أو التعذيب. وتشمل الاعتداءات الجسدية، والضرب المبرح، والقيود على الزيارات، والحبس الانفرادي. ويمكن أن تدفع هذه المعاملة الشاب نحو أولئك الذين يقدمون أيديولوجية العنف. فهؤلاء الإرهابيون يتحدثون إليهم بحنان شديد، ويقولون لهم إن بإمكانهم تقريبهم إلى الله، وإنهاء الظلم بالتبعية.
إنها أزمة. إذ يجد السجناء الشباب غير المتعلمين أنفسهم أمام أيديولوجية تُقدم إليهم باعتبارها دينية ظاهريًا، ولكنها في حقيقة الأمر تتعلق بالعنف والكراهية. وتبدأ المشاكل عندما يغير الشاب المتأثر بأيديولوجية داعش الطريقة التي يتعامل بها مع أسرته أو زملائه أو محاميه أو أي شخص يرفض الأفكار التي بات مقتنعًا بها.
على مدار عام قضيتها في الاعتقال، لم أرَ قط سلطات السجن تتدخل لمنع حدوث ذلك. لا يوجد فصل بين أصحاب الأفكار الإرهابية والشباب العادي. إنهم يتركون الشباب تحت تأثير أصحاب الأفكار الإرهابية، دون أن يعرضوا عليهم أي برامج تأهيلية أو ثقافية لمحاولة إنقاذ الشباب من هذه الأفكار. هناك حالات كثيرة لشبان في السجن تعرضوا أو يتعرضون لهذه الأيديولوجية الإرهابية، لن أذكرهم لأنهم ما زالوا رهن الاعتقال، لكنني أعرف رجلًا اعتُقل في أواخر العشرينيات من عمره وكان ناشطًا سياسيًا يعارض النظام سلميًا، ولم يثبت ارتكابه أي أعمال عنف. تم اعتقاله وتعذيبه وإخفائه قسرًا، وفي النهاية ظهر في قضية يحركها أمن الدولة واحتجز في السجن.
لقد تمكنت داعش من نشر أيديولوجيتها بين الأطفال لأن لديهم الكثير من الوقت معهم في السجن دون حرّاس السجن الذين حبسوهم جميعًا جنبًا إلى جنب.
لا يوجد وقت محدد يستغرقه شخص ما لتغيير رأيه تجاه الإرهاب. إذ يختلف الأمر من سجين لآخر، بناءً على تفكيره السابق ومدى التعذيب الذي تعرض له. إذا تعرض الشخص للكثير من التعذيب، فهو مؤهل تمامًا لفكر يحرضه على الانتقام ممن عذبوه.
لكن من بين أولئك الذين شاهدتهم شخصيًا، استغرق الأمر بضعة أشهر حتى غيروا رأيهم –وهم محاطين بأولئك الذين لديهم أيديولوجيات إرهابية. بينما قد يستغرق البعض الآخر سنوات للتحول، وهناك دائمًا من لن يقتنع أبدًا.
وبشكل عام، من خلال ما رأيته في السجون، ورغم استهداف داعش لكافة الفئات العمرية، فإن الفئات الأكثر احتمالًا للاقتناع هم أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 18 وأواخر الثلاثينيات».
نينو[34]
أطلق سراح نينو في أكتوبر 2020 بعدما أمضى أربع سنوات متنقلًا بين عدة سجون مختلفة.
«كنت في سجني وادي النطرون وعتاقة. ورأيت تنظيم الدولة الإسلامية داخل السجن عام 2020. لم ينفكوّا عن محاولة تجنيد سجناء آخرين. يبدأ الأمر بكوب شاي أو قهوة للضيافة، ثم يجلسون للتحدث مع الشخص. يطرحون الأفكار ويتحدثون مباشرةً للسجين عن أيديولوجية التطرف. إذا لم يستجب ذلك السجين، أو لم يرد بإيجابية، فسوف يعاملونه على أنه كافر.
لقد كانوا داعش يأخذون مقتطفات من القرآن ويفسرونها بشكل غير صحيح، ويستخدمونها لإقناع الناس بالانضمام إليهم. واستغلوا الظلم وسوء الأوضاع في السجون للضغط على السجناء. كان هناك بعض الرجال الذين انضموا إليهم لمجرد الانتقام من الحكومة. لقد حاولوا التأثير عليهم وتجنيدهم بأفكارهم الزائفة مثل دولة الخلافة، ووصفوا كل من كان ضدهم بالكفار. وللأسف، لقد نجحوا في إقناع بعض الرجال، الذين تبنوا بعد فترة من الوقت طرقهم العنيفة، وبدأوا في تفضيل طريقة تفكير عنيفة.
لقد تمكنّوا من إقناع صديق لي في السجن. اكتشفت أنه انضم إلى داعش ولم يكن حتى يحيي الأشخاص الذين لا يتفقون مع أيديولوجيته الجديدة.
في البداية، وضعت السلطات الأشخاص الذين لديهم هذه الأيديولوجيات في مواضع منفصلة، ولكن بنهاية 2017، بدأوا في خلط أولئك الذين لديهم أيديولوجيات متطرفة مع البقية. الحكومة هي السبب في انتشار هذه الأيديولوجيات داخل السجون لتدمير عقول السجناء السياسيين الشباب.
في 2020، كنت في زنزانة مع ستة رجال لديهم أيديولوجيات متطرفة رغم اختلافهم مع بعضهم البعض. لم يأكلوا أو يصلوا معنا، كل واحد منهم كان يأكل ويصلّي بمفرده».
محمود[35]
يبلغ محمود من العمر 30 عامًا، وأخبر «حقوق الإنسان أولًا» أنه اعتُقل في 2013، وأفرج عنه في مايو 2019.
«تم احتجازي في ثلاثة سجون مختلفة. رأيت تنظيم داعش يجتذب سجناء كانوا قد تعرضوا لسوء المعاملة. عندما تواجه عنفًا من ضباط الأمن، يمكن لداعش استخدام ذلك لجذبك. إنّ الشباب الذين لا يمتلكون أية أيديولوجية أخرى أو معتقدات قوية هم الأكثر تأثرًا.
يتعرّض السجناء لأنواع كثيرة من العنف الجسدي والنفسي. وتتراوح الانتهاكات بين الصعق الكهربائي، والتعليق من السقف من ذراعيك أو ساقيك لأيام. وفي بعض الأحيان يُحضرون إناث من أفراد عائلة السجين لمقر استجوابه، أخت السجين أو أمه أو ابنته، ويهددونهم ويجبرون السجين على الاعتراف بأشياء لم يفعلها. أنا أعلم أنهم أحضروا الزوجات لمكاتب التحقيق، وقيل للسجناء أن الضباط (سيفعلون أشياءً) بزوجاتهم إذا لم يعترفوا.
إذا كنت شخصًا عاديًا، ولست مجرمًا أو لدي أية أيديولوجية سياسية، وتم اعتقالي وتعرضت لأذى جسدي من السلطات، فسوف يتكون لدي موقف سيء تجاه السلطات، وسيكون من السهل جذبي لداعش.
رأيت مجموعات من الرجال في سجن العقرب ينضمون لداعش بعد تعرّضهم لسوء المعاملة، ليس فردًا واحدًا أو اثنين، بل عدة أفراد. كانوا مجرد سجناء عاديين لكنهم انضموا لداعش. لقد تم إقناع الشبان الذين اعتادوا شرح آرائهم بطريقة سلمية بإيجاد طرق أخرى غير سلمية.
«في سجن الاستقبال، وهو جزء من مجمع سجون طرة، رأيت كيف يتمتع سجناء داعش بامتيازات أفضل أيضًا. كان لديهم المزيد من وقت الفراغ، ووقت ترفيه أكثر، وقيود أقل مقارنة بالسجناء الآخرين».
عمرو حشاد (عمرو علاء لبيب حامد فرج)[36]
تمّ إطلاق سراح عمرو حشاد في يناير 2019 بعدما أمضى خمس سنوات في السجن.
«عمري 27 سنة، وأنا ناشط في مجال حقوق الإنسان. احتجزوني في 11 مكان احتجاز مختلف. وتمت إدانتي بعد مشاركتي في احتجاجات مناهضة للحكومة، وحُكم عليّ بالسجن ثلاث سنوات، وعندما انقضت السنوات الثلاث، وبدلًا من إطلاق سراحي، نقلوني لسجن آخر واحتجزوني هناك. لقد اتهموني بتفجير قطار، وهو هجوم حدث حينما كنت في السجن بالفعل.
عندما تم اعتقالي لأول مرة، تعرضت للتعذيب لمدة 60يومًا من أمن الدولة. تعرّضت للضرب، وبقيت عاريًا، وصُعقّت بالكهرباء في كافة أنحاء جسدي، بما في ذلك أعضائي التناسلية. وكنت بحاجة لعملية جراحية إثر ذلك. تاليًا، نُقلت إلى السجن، ووُضعت في زنزانة للوافدين الجدد، عادةً ما يتم الاحتفاظ بالسجناء هناك لمدد تتراوح بين 11 و30 يومًا، اعتمادًا على الوقت الذي ينقلهم فيه الضابط المسئول إلى زنزانة دائمة. وأثناء احتجازي في زنزانة الوافدين الجدد، شجّعني سجين من جماعة الإخوان المسلمين على الإيمان بالله والثقة في طرقه، وقال لي: «يجب أن تصلي، وسيمنحك الله حقوقك يوم القيامة»، بينما قدم لي أحد سجناء داعش عرضًا مختلفًا، قائلًا: «سنساعدك في تحقيق العدالة الآن. سنقاتل القوى التي فعلت هذا بك ونجعلهم يدفعون الثمن». بعد 60 يومًا من التعذيب الذي يحطم عقلك وجسدك وروحك، أي جانب سيختار الشخص؟
إلى جانب ذلك، يمُنح سجناء داعش امتيازات يتمّ حرمان السجناء الآخرين منها. على سبيل المثال، يُسمح لسجناء داعش بالحصول على الهواتف المحمولة والرعاية الطبية، كما تستغرق زياراتهم العائلية 90 دقيقة. في المقابل لم يُسمح للسجناء الآخرين باستخدام الهواتف المحمولة، كما لم يتلقوا الرعاية الطبية المناسبة، وتستغرق زياراتهم 20 دقيقة فقط. لذا، كان مغريًا لبقية السجناء الانضمام إليهم. بإمكان سجناء داعش الوصول إلى أي كتب يريدونها –حتى تلك التي تروّج للفكر المتطرف– بينما لم يتمكن طلاب الجامعات من الحصول على كتبهم الدراسية. بعض ضباط السجون يخافون من داعش ويمنحونهم امتيازات. كان أحد الضباط في سجن استقبال طرة خائفًا للغاية من دخول زنزانتهم. إن السلطات المصرية تصنع قنابل موقوتة بالسماح بذلك.
أعرف ثلاثة رجال لم يكونوا متطرفين حينما وصلوا السجن. كنا نمزح وندخن السجائر معًا، وكان أحدهم من أصول ثرية وتم اعتقاله خطأ عندما كان يغادر حرم جامعته. بداخل السجن انضموا لداعش، وبعد الإفراج عنهم، ذهب اثنان للقتال في صفوف داعش في سيناء، بينما قُتل أحدهم وهو يُحارب في سوريا
يمكن لقادة داعش في السجن الوصول بسهولة للسجناء الآخرين. حتى الرجال المعتقلين بتهمة ارتكاب جرائم صغيرة، مثل بيع المخدرات، يتعرّضون لتجنيد داعش في السجون. كان هذا، ولا يزال يحدث، حينما تم إطلاق سراحي في 2019».
الهوامش عبر رابط التقرير على موقع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان